عبد الله مسار يكتب .. من عيون الشعر في الرثاء
عبد الله مسار يكتب: من عيون الشعر في الرثاء
رثا أبو الحسن الأنباري، الوزير محمد بن بقية والذي كان وزيراً لعز الدولة بن بويه، وكانت قد وقعت بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة خصومة، انتصر فيها عضد الدولة، فقبض على ابن بقية وقتله بين أرجل الفيلة، ثم صلبه وكان أبو الحسن الأنباري خارج بغداد فحضر إلى مكان صلبه وترجّل من فرسه وألقى قصيدته بين يدي محمد بن بقية المصلوب، فلما وصلت القصيدة إلى عضد الدولة، قال (لقد تمنيت أن أكون أنا المصلوب، وأن القصيدة قيلت فيّ)، ونص القصيدة:
علو في الحياة وفي الممات
لحق أنت إحدى المعجزات
كان الناس حولك حين قاموا
وفود نداك أيام الصلات
كأنك قائم فيهم خطيباً
وكلهم قيام الصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً
كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن يضم علاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراس وحفاظ ثقات
وتُوقد حولك النيران ليلاً
كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطية من قبل زيد
علاها في السنوات الماضيات
وتلك قضية فيها تأس
تباعد عنك تعيير العداة
ولم أر قبل جذعك قط جذعاً
تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت
فأنت قتيل ثأر النائبات
وكنت تجيرنا من صرف دهر
فعاد مطالباً لك بالتّرات
وصير دهرك الإحسان فيه
إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعشر سعداً فلما
مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليل باطن لك في فؤادي
يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام
بفرضك والحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي
ونحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي
مخافة أن أعد من الجناة
ومالك تربة فأقول تسقي
لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى
برحمات غواد رائحات
هذه القصيدة تعد من عيون الشعر في الرثاء، فهي ذات خيال خصب، وفيها وفاء من المادح للممدوح، بل فيها الصدق من المادح للممدوح فجاءت من عيون القصيد والنظم.
تحياتي،،،