اللغة العربية يكفيها شرفًا أنها لغة القرآن الكريم .. د. صفوت عمارة

اللغة العربية يكفيها شرفًا أنها لغة القرآن الكريم
د. صفوت عمارة

يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وقد وقع الاختيار على هذا التاريخ بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة إلى جانب الإنجليزية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية، في 18 ديسمبر عام 1973م.

تُعد اللغة العربية من أقدم اللغات وأكثرها انتشارًا واستخدامًا في العالم، إذ يتكلمها يوميًا ما يزيد على 400 مليون نسمة، وتحتل المركز السادس من حيث عدد المتحدثين بها، وهي اللغة الوحيدة التي دامت لأكثر من خمسة عشر قرنًا من الزمان، وتُعد من اللغات المعروفة باسم «اللغات السامية» فهي لها جذور متأصلة وثابتة وكانت الإدارة الرئيسية لنقل الثقافة العربية بين الأجيال عبر عصور طويلة.

اللغة العربية لا تضاهيها لغة في غزارة مفرداتها، وسمو تراكيبها، وحُسن مبانيها، إنها لغة القرآن الكريم، التي اختارها الله تعالى وأنزل بها خاتمة كتبه، وجعلها لسان خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي نزل ويُتلى بها إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]؛ فاللغة العربية محفوظة بحفظ القرآن؛ لأنّ اللَّه جلّ جلاله اختارها من بين لُغات الأرض ليكون بها كلامه الخالد الذي أعجز به من كان ومن سيأتي إلى قيام الساعة، ولا يكون هذا الإعجاز إلا لكون هذه اللّغة تحتمل ثقل الكلام الإلهيّ وقوة الخطاب الربّاني، إنها لغة الفصاحة والبيان ومفتاح التفقه في الدين، تسحرك بجمال كلماتها، وعذوبتها من بين سائر اللغات، تجدها فتية لا تعرف لها طفولة أو شيخوخة، ويرى الباحثين من العرب والمسلمين والمستشرقين، أن القرآن الكريم كان السبب الرئيسي في حفظ اللغة العربية ونشرها، بدليل أن أول كتاب صدر عن النحو العربي، جاء بعد قرابة قرنين من هجرة النبي محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وهو كتاب “الكتاب” لسيبويه.

قال الشاعر حافظ إبراهيم في فضل اللغة العربية:
وسعتُ كتاب الله لفظًا وغاية.. وما ضقتُ عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة.. وتنسيق أسماء لمخترعات
أرى لرجال الغرب عزّا ومنعة.. وكم عز أقوام بعز لغات
أيهجرني قومي عفا الله عنهمُ.. إلى لغة لم تتصل برواة
فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة.. مشكلة الألوان مختلفات

ساعدت اللغة العربية في نقل العلوم والمعارف والفلسفات اليونانية والرومانية إلى القارة الأوروبية في عصر النهضة، وكذا ساعدت اللغة العربية على إنتاج الأدب والتاريخ وكتب العلوم التي بدأت بالازدهار في بغداد والأندلس وهو أمر صعب المنال على أي لغة، ويزخر التاريخ بالشواهد التي تبين الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربط اللغة العربية بعدد من لغات العالم الأخرى؛ فأثرت تأثيرًا مباشرًا في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية، وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل: الهاوسا والسواحيلية؛ فأدخلت إليها حروف الكتابة وكثيرًا من الألفاظ، وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب، وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية محلها كما حصل في العراق والشام ومصر، وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار بعضها الآخر كالفارسية، ولقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف العربية.

وأخيرًا أقول: لا يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال اللغة العربية، ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؛ فهي تفوق سائر اللغات جمالًا وعذوبة؛ فكل عام وكلّ من ينطق باللسان العربيّ بألف خير.. الدكتور صفوت محمد عمارة، عضو الاتحاد الدولي للغة العربية.

مقالات ذات صلة