تعرف على أخوية (الذاغيين) .. ظلال الرعب القاتمة التي خيمت على الهند لمدة قرون كاملة
لمدة تزيد عن ثلاثة قرون كاملة؛ بين القرن السادس عشر والتاسع عشر ميلادي، كان السفر في الهند أمرا مخيفا للغاية وغير آمن البتة، وكان كل مسافر آنذاك يخشى على حياته وممتلكاته بشكل زائد، ومصدر كل هذا الخوف والرعب كان جماعة من السفاحين وقطاع الطرق عديمي الرحمة عرفوا باسم (الذاغيين) 𝗧𝗵𝘂𝗴𝘀، حيث اختفى الكثير من هؤلاء المسافرين تحت جنح الليل ولم يسمع لهم خبر بعد ذلك.
لا أحد يعلم بالتفصيل ما كان قد حدث لهم، لكن خوفهم ذلك جعلهم يسافرون في مجموعات ويلازمون بعضهم طوال فترة السفر، معتبرين أن القوة والأمان في الأعداد الكبيرة، لكنهم لم يكونوا يعلمون أن ذلك بالضبط ما أرادهم الذاغيون أن يقوموا به.
كان الذاغيون أخوية سرّية تتّبع مذهبا عقائديا سرّيا تُعبد فيه إلهة الموت (كالي)، ووفقا لهم لا تمنّ عليهم الإلهة (كالي) برحمتها إلا إذا جازوها بدماء ضحاياهم، وخلال طيلة كل تلك القرون التي ظلوا ينشرون فيها الرعب، قليل منهم من تمكن من تقديم الأضاحي البشرية للإلهة (كالي) أكثر من الذاغي (بيرهام).كان الذاغيون مثل (بيهرام) يجتمعون في مجموعات صغيرة تقبع بجانب الطريق منتظرة قدوم قوافل المسافرين والرحالة، وعند وصول القوافل، كانوا ليخبروا المسافرين عليها بأنهم كانوا عبارة عن تجار رحالة مثلهم تماما، وكانوا يطلبون مرافقتهم في سفرياتهم تلك، فبعد كل شيء كان المسافرون يتبعون قاعدة القوة في التعداد ومنه كان أي فرد إضافي مرحبا به في المجموعة.كان الذاغيون بعد ذلك يسافرون مع ضحاياهم لأيام وأحيانا لأشهر عديدة، يكسبون خلالها ثقتهم بخطى ثابتة، وكانت غالبا مجموعات أخرى من الذاغيين تنضم لنفس القافلة على طول الطريق، وعندما كان الذاغيون يشعرون بأن فرصهم في تنفيذ ضرباتهم ونجاحها كانت كبيرة بما فيه الكفاية، لم يكونوا يترددون البتة في القضاء على الجميع.
في مجموعات صغرى تتكون من ثلاثة أفراد، كان الذاغيون يتسللون بين خيام المسافرين النيام ويطوفون بها ليلا، وكان أحد الثلاثة ليمسك بذراعي الضحية بينما يثبت آخر ساقيها وأخيرا يعمل الثالث على خنقها بواسطة قماش حريري، وفي ليلة مظلمة واحدة، كان بإمكان الذاغيين قتل مئات من الأشخاص.وبمجرد التخلص من جميع ضحاياهم، كان الذاغيون بعدها يعمدون إلى جمع كل ما كان متاحا لهم من أغراض قيّمة ثم يخفون الجثث أو يتخلصون منها بعناية وحذر شديدين، ومنه تكتمل التضحية الكبرى باسم الإلهة (كالي)؛ بعدها يفترق الذاغيون ويذهب كل واحد لحال سبيله.
كان هذا نمطا يكرر نفسه مرارا وتكرار، وكان بمثابة ظلال رعب قاتمة خيمت على الهند لمدة قرون كاملة.لا أحد يعلم بالضبط كم شخصا لقي حتفه على يد الذاغيين، لكن حياة (بيهرام) -أو على الأقل ما نعرفه عنها، وهو ليس بالأمر الكثير- كانت مثالا جيدا على أنه بإمكان حتى ذاغي واحد منفرد أن يكون فتاكا للغاية.
من المرجح أن يكون (بيهرام) قد ولد في وقت ما من ستينات القرن الثامن عشر في شمال الهند، وعلى غرار الكثير من الذاغيين، قد يكون وُلد داخل إحدى مجموعاتهم، حيث كانت مهنة التقتيل والاغتيال هذه متوارثة بينهم أبا عن جد، وعلى الرغم من أن الكثير من معالم وجوانب حياته تبقى مجهولة غير أن الشيء المؤكد الوحيد هو أنه امتاز كثيرا في حياة الذاغي وأتقنها إلى أبعد الحدود
كان (بيهرام) بكل بساطة سفاحا موهوبا، وكانت وسيلة القتل المفضلة لديه هي قطعة القماش التي كان يرتديها حول خصره كنوع من الأحزمة، وداخلها كانت توجد قلادة ثقيلة، كان (بيهرام) يجعل تلك القلادة حول “تفاحة آدم” الضحية مما يعطيه قوة خنق كبيرة تجعله يقضي على حياتها في لحظات وجيزة.
من المرجح أن يكون (بيهرام) قد امتهن حياة الذاغي السفاح لعقود كاملة، لكن بحلول ثلاثينات القرن التاسع عشر بدأ عصر الذاغيين الذهبي يتداعى وأصبحت نهايته وشيكة، حيث في هذه الفترة بالذات، وجه البريطانيون الذين استعمروا الهند حديثا كامل اهتمامهم نحو القضاء على مجموعات السفاحين الفتاكة هذه تحت إشراف المفوض (ويليام هينري سْليمان).استخدم (ويليام هينري) تكتيكا كلاسيكيا ضد مجموعات الجريمة المنظمة هذه، حيث منح بعضا منهم عفوا كاملا وحصانة مقابل الحصول على أية معلومات ذات قيمة تدله على بقيتهم، وهو بسياسة فرّق تسد هذه، جعل الذاغيين يفقدون الثقة في بعضهم البعض ولم يعودوا يعرفون فيمن يضعون ثقتهم ويأتمنون أسرارهم، وخلال عقد من الزمن، تم القضاء على منظمة إجرامية ظلت تنشر الرعب والجريمة على مدى قرون كاملة.
كان من بين الذاغيين الذين استمالهم عرض (سليمان) هو (بيهرام) نفسه، ووفقا لشهادته، فقد كان شخصيا قد اغتال وقتل حوالي 150 شخصا، وكان قد شارك في عمليات جماعية قُتل خلالها مئات آخرون، وهو إن كانت شهادته تلك صادقة فذلك يجعله واحدا من أكثر القتلة المتسلسلين فتكا في التاريخ
غير أنه لا يمكن الجزم بالعدد الفعلي لضحايا (بيهرام) ذلك أن القصص والأقاويل تضاربت حوله، وكان من بين القصص المتناقضة قصص كان هو شخصيا من سردها.
أما فيما يتعلق بمصير (بيهرام) وما كان قد حدث له بعد ذلك، فتختلف القصص والروايات حوله كذلك؛ يقول البعض أنه كان قد أُعدم شنقا، بينما يقول آخرون أن الإنجليز أطلقوا سراحه مقابل شهادته ثم اختفى بعدها ببساطة.
من الصعب معرفة المعلومات الصحيحة والحقيقية حيال قصته كلها، حيث أنها على غرار بقية قصص الذاغيين بصفة عامة، تشوبها الكثير من التحريفات والإضافات الخيالية.
وحتى آخر واحد منهم، كان الذاغيون دائما يدّعون بأن عمليات القتل التي كانوا يقترفونها كانت أكثر من مجرد ضرورية، حيث كانت عبارة عن تضحيات وقرابين تقدم للإلهة (كالي) من أجل ثنيها عن تدمير العالم كله.
لكن تجدر الإشارة هنا أنه من غير المعقول أن تكون دوافعهم دينية بحتة، فسفاح على غرار (بيهرام الذاغي) من المؤكد أن جشعه كان الدافع الأول والأكبر في كل عمليات القتل والاغتيال التي اقترفها طوال حياته.