جدل حول مسؤولية “مشروعات ضفاف النيل” عن أزمة فيضانات الخرطوم

وصلت مناسيب مياه النيل في العاصمة السودانية الخرطوم إلى مستوى الفيضانات، مما أثار مخاوف من تكرار مأساة فيضانات العامين الماضيين، التي أودت بحياة العشرات ودمرت المئات من البيوت والمنشآت العامة، وسط جدل حول مسؤولية التوسعات المعمارية على ضفاف النيل بوسط العاصمة، عن الدمار الذي تخلفه الفيضانات.

وأوضح تقرير لوزارة الري والموارد المائية السودانية، أن “منسوب المياه في محطة القياس بالخرطوم سجل 16.50 مترا”؛ مشيرا إلى أن “جميع القطاعات على النيل الأزرق تشهد ارتفاعا، وتقترب من مستوى الفيضان”. كما حذر الدفاع المدني من “فيضان متوقع” للنيل، نسبة للارتفاع الكبير في مناسيبه؛ داعيا المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر.

مسؤولية المشاريع العمرانية وفي عام 2007، منحت حكومة الرئيس السابق عمر البشير، شركات وجهات استثمارية مشاريع ومخططات على ضفاف النيل، دون استشارة وزارة الري، التي يفترض أن تكون إحدى أهم الجهات المناط بها تحديد أي آثار سلبية محتملة.

واكد خبراء في مجال الري وهندسة الخزانات والمياه والإنشاءات، على أن تلك المشاريع “أدت إلى تضييق مجرى نهر النيل، وكانت السبب الرئيسي في كارثة إغراق آلاف المساكن في الأحياء الفقيرة على ضفاف النيل في الخرطوم، خلال موجتي فيضانات العامين الماضيين”. وأشار الخبراء إلى “تلاعب في منح رخص عدد من الشركات والأثرياء، لإقامة مشروعات بناء على ضفاف النيل، دون استشارة وزارة الري والجهات الأخرى المخولة باستكمال شروط السلامة اللازمة لحماية الأحياء الفقيرة”.

كما أكدوا أن “معظم الأضرار التي لحقت بالمناطق الواقعة خارج الخرطوم والبعيدة عن النيل، تسببت فيها عمليات بيع أراضي ومخططات سكنية في أودية ومجاري سيول”. وشهدت ضفاف النيل عند الخرطوم تنفيذ عدد من المشروعات، من بينها مشروع معماري ضخم في منطقة المقرن، توقف عند مرحلة “الردم”، التي أكلت جزءا كبيرا من المجرى، إضافة إلى مشروع آخر ضخم أقامته شركة عربية، ومشروع فندق قصر الصداقة شمالي الخرطوم. وأشارت تقارير إلى وجود شبهات فساد كبيرة في عدد كبير من تلك المشروعات العمرانية.

وتعليقا على ذلك، قال الأستاذ المشارك بقسم التخطيط العمراني في جامعة الخرطوم، جمال محمود، إن هناك “تأثيرا سلبيا لعمليات البناء التي تمت على ضفتي النيل”. وأضاف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الكثير من المشروعات أسهمت بشكل مباشر في تضييق مجرى النهر الرئيسي، كما ضيقت مشروعات أخرى مجرى النيل الأبيض في الخرطوم، كمشروع (السنط)، الذي أنشأ جدارا حاجزا عند منطقتي الغابة والمقرن في وسط الخرطوم”.

جريمة جنائية ومع إقرار وزارة الري بمسؤولية التوسعات العمرانية على مجرى النيل عن الجزء الأكبر من الأضرار التي لحقت بأحياء فقيرة في جنوب وشرق وغرب الخرطوم في العامين الماضيين؛ فشدد الخبير القانوني، محمد الحافظ، أن “ما حدث جريمة جنائية يجب عدم التهاون فيها”.

وقال لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي تكبدها سكان الأحياء الفقيرة بسبب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها النظام السابق، المتمثلة بمنح تراخيص بناء استثماري دون مراعاة للآثار المحتملة على حياة وممتلكات الناس، تتطلب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من شارك في ارتكاب هذه الجريمة مكتملة الأركان”.

ووفقا لعدد من الخبراء، فإن تصاريح بناء تلك المشروعات “لم تراعي الوضع الهندسي والجغرافي للمناطق الفقيرة التي دفعت الثمن غاليا”، مشيرين إلى أنه “من الطبيعي إقامة مشروعات عمرانية وسياحية على ضفاف الأنهار في أي مكان في العالم، لكن الشيء غير الطبيعي هو الطريقة غير المسؤولة التي اتُبعت في إقامة تلك المشروعات في الخرطوم خلال السنوات الماضية”. واعتبروا أن السبب في ذلك هو أنه “لم تُستكمل كافة المتطلبات، في مقدمتها استشارة وزارة الري والجهات المسؤولة عن التوقعات المستقبلية للمناسيب والفيضانات، إضافة إلى تأمين الأحياء الفقيرة المحيطة”. وأكد خبير الري والخزانات، أبو بكر مصطفى، أن “المباني وأعمال الردم التي أقيمت قرب مجرى النيل في الخرطوم تسببت في تضييق المجرى؛ وشكلت بالتالي عبئا على مناطق أخرى”.

مقالات ذات صلة