عثمان ميرغني يكتب .. تدوير التاريخ المَدّور..

عثمان ميرغني يكتب ..

تدوير التاريخ المَدّور..

بعد شهر واحد من انتصار الثورة في 2019 زارني صحفي بريطاني يكتب في صحيفة مشهورة.. ودار بيننا حوار طويل نشره في تقرير بالصحيفة بعد رجوعه إلى لندن، ومرت الأيام ونسيت الأمر إلى أن اتصل بي بعد عام تقريباً قبيل الذكرى الأولى للثورة وتوقعت أن يكون اتصاله لإعداد تقرير جديد لكن فوجئت به وهو يبادري بأن ما قلته له قبل عام تحقق تماماً كما هو، وأرسل لي نسخة من تقريره السابق لاستعيد الذاكرة لتفاصيل ما حواه..

سألني كيف استطعت توقع كل هذه الأحداث؟ فأجبته الأمر سهل للغاية، الحالة السودانية أشبه بفيلم سينمائي لا تمل دار السينما من إعادة عرضه للجهور، وبكل يقين من يراه في المرة الأولى يستطيع في المرة التالية أن يتوقع كل أحداثه بدرجة اليقين.. أو أشبه بركلة جزاء في المباراة رآها الجمهور على الهواء مباشرة وهي تطيح خارج المرمى، لا يمكن توقع أن تهز الشباك عند إعادة بث المباراة.

الحالة السودانية – بكل أسف- ليست مكررة سهواً أو بغير قصد، بل هو تكرار مثبت في جيناتها Built-in .. مع سبق الإصرار والترصد.. ناتج من حب الاستسلام للمألوف والمطروق.. واستهياب المخاطرة بسلوك الطريق الجديد.. خاصة في المجال السياسي..

وددت لو أن جامعة الخرطوم أعارتني “قاعة الامتحانات” لمدة ساعة واحدة.. ليجلس جميع الساسة السودانيين لامتحان من سؤالين فقط..

السؤال الأول:
لماذا بعد أكثر من 60 سنة من عمر السودان المستقل أعدتم استخدام “مجلس السيادة” متعدد الرؤوس ليكون مؤسسة الرئاسة؟

والسؤال الثاني:
لماذا “فترة انتقالية” دائماً بعد الإطاحة بالنظام السابق وانتصار الثورة؟

أذكر بعبارة واضحة ماهي النقطة “أ” التي يفترض أن ينتقل منها السودان، وماهي النقطة “ب” التي ينتقل إليها؟

ساعة كاملة زمن الاإجابة على هذه الورقة التي تشتمل على سؤالين فقط، بعدها تجمع الأوراق للتصحيح.. والله العظيم ينتابني فضول كبير لأعرف ما هي إجابة كل سياسي منفرداً على هذين السؤالين..وطبعاً يُمنع النظر إلى أوراق الآخرين أثناء الامتحان، ( ممنوع الشف).

الزمن يتغير إلا منهج التفكير السوداني لا يتغير مع الزمن، زمان كان السودان عضواً في “منظمة دول عدم الانحياز”، أين هذه المنظمة؟ بل أين المعسكرين الشرقي والغربي؟ كثير من المصطلحات السياسية سادت ثم بادت مع الزمن.. إلا في السودان، نكرر التاريخ والتجارب بدقة متناهية حتى لا نتعب في التفكير لاستنباط مفاهيم أو سياسيات أو أفكار جديدة..

وكل من يحاول تقديم فكرة جديدة يُصرف له “بركاوي” (أنت رومانسي)..

مقالات ذات صلة