حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. “المصالح” .. لا “المصالحة”..
حديث المدينة .. عثمان ميرغني .. “المصالح” .. لا “المصالحة”..
كلما اشتد سعير الأزمة السياسية السودانية يقفز فوق السطح حديث عن “المصالحة” ، وللسودانيين عموماً ولع بالمصطلحات ويعتبرونها “تعويذة” لمقابلة الملمات الخطيرة.. ووصف هذا الولع الدكتور منصور خالد في كتابه “النخب السودانية و إدمان الفشل” وقال أنهم “دراويش السياسة” أشبه بالدراويش في حلقة الذكر، يرددون كلمة واحدة مئات المرات إلتماساً للفتح في سرها المكون.. فكذلك “دراويش السياسة” يرددون كلمة مثل “الديموقراطية” الحرية الاشتراكية الناصرية الإسلامية وكأن في الكلمة مفتاح الأسرار الذي يمنح الحل بمجرد ترديدها..
أشهر “مصالحة” كانت في عهد الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري في العام 1977 مع الجبهة الوطنية المعارضة، ولكن سرعان ما تلاشت الاتفاقية وخرجت من المشهد السياسي..
وفي العهد البائد وقع عشرات اتفاقات المصالحة، مع كل الأحزاب والحركات، بل بعضها وقع أكثر من مرة اتفاق مصالحة، لكنها كلها كانت تنتهي إلى ذات المصير، تبدأ بقسمة السلطة والثروة بين المتصالحين، ثم بعد فترة يحرق لهيب المطامح الشخصية والسياسية أوراق الاتفافات وتندثر المصالحة.
الآن يتحدث الناس عن “مصالحة” وكأن التاريخ الماضي بلا عبرة .. وإذا وجدت هذه الدعوة طريقها للتنفيذ، فسيفرح الجميع في حفل يقام بقاعة الصداقة لتوقيع اتفاق المصالحة.. ويرقص الجميع على أنغام الأمل بحل الأزمات المزمنة، لكن ما أن يخرج المحتفلون الى خارج القاعة ويلفح وجوههم الهواء الطلق حتى تفوت السكرة وتأتي الفكرة.. وتبدأ مرحلة جديدة من الخلافات حول قسمة السلطة والثروة.
المطلوب “مصالح” لا “مصالحة”..
والفرق بين الإثنين كالمسافة بين الزهرة والمريخ.. فالمصالح تذهب للشعب وللوطن، أما المصالحة فهي بمبدأ ” العروسة للعريس، والجرى للمتعايس” .. يذهب الفرقاء بالمناصب والثروة، ويظل الشعب السوداني يلهث خلف السراب.. تماماً كما حدث في اتفاق جوبا للسلام.. توزع الفرقاء المناصب الوثيرة ولا تزال دارفور تنزف بل وتزيد نزفاً كل يوم.
“المصالح” تعني أن يرى الشعب رأي العين ما الذي يحصل عليه من تنمية ونهضة، لا ما يحصل عليه الساسة من كراسي وجاه الحكم..
والفكرة سهلة.. خطة استراتيجية طويلة المدى .. مثلاً حتى العام 2030، تحدد ما الذي يجب أن يتحقق من تنمية ونهضة في السودان، ثم توزع الخطة الاستراتيجية الى مراحل ، فلنقل كل مرحلة من عامين، لكل مرحلة أهدافها وخططها التنفيذية في سياق الخطة الاستراتيجية الكبرى.
تصبح العلاقة بين الحكومة والشعب، علاقة المقاول بمالك المشروع، وفي سلطة الشعب “مالك البلد” أن يغير المقاول في أية لحظة اذا أحس أنه غير قادر على إنجاز الخطط التنفيذية في مواقيتها بالصورة المطلوبة..
“المصالح” ليست مجرد وعود وشعارات، بل أرقام صريحة ليس فيها غموض.. تحدد التزام الحكومة خلال الفترة الزمنية المحددة.. ومن هنا الحساب ولد..
الشعب يريد “المصالح” لا “المصالحة”.. اذا أراد السياسيون التصالح بينهم “المصالحة”، فلا بأس لكنه شأن عائلي بينهم لا علاقة للشعب به، فليحتفلوا به في مقر أي حزب ولكن الشعب ليس مدعواً ولا معنياً بهذه الولائم..
المطلوب المصالح لا المصالحة..