إمامة ولد لبات الصلاة بالخرطوم: بين الانتماء لليسار ومسايرة العسكر ونتاج الفشل .. د. إبراهيم الصديق علي
*إمامة ولد لبات الصلاة بالخرطوم: بين الانتماء لليسار ومسايرة العسكر ونتاج الفشل..*
د. إبراهيم الصديق علي
(1)
أمّ البروفيسور محمد الحسن ولد لبات، مبعوث الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، في صلاة المغرب بدار المؤتمر الشعبي السبت ٢٣ نيسان/ أبريل ٢٠٢٢م، وتم تداول الصور بتوسع في الوسائط واستحوذت على خلاصات الحوار والنقاش، وذلك لأسباب منها ظاهر وخفي، وأولها أن تهمة الانحياز لليسار ظلت تلاحق بروف ولد لبات في كل توجهاته ومواقفه ولم ينكرها هو في بعض لقاءاته..
ومن طرف خفي؛ إبراز البروفيسور لبات أنه منفتح على كل القوى السياسية السودانية، وقادر على إحداث اختراق في الساحة بعد الانسداد والاستقطاب الحاد، وتداخل المهام بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي..
وهذا مع العلم أن البروفيسور ولد لبات، أسس للشراكة السياسية السابقة بين المكون العسكري ومجموعة قوى الحرية والتغيير عام ٢٠١٩م، وهو يتحمل وزر كل العسف السياسي والقانوني والمعاناة الاقتصادية في بلادنا، من خلال تمكين مجموعة من المغامرين السياسيين التحكم في مفاصل الدولة والعبث بمقدراتها. والوثيقة الدستورية المعيبة نتاج وساطته اللاهثة لتحقيق أجندة انتصار ورهانات سياسية، دون أن يتسق ذلك مع المعايير الدولية، في بسط العدالة والمساواة، ومن خلال تأسيس سلطة انتقال سلس، وإحكام التشريع القانوني، وتصويب الجهود لتمكين الشعب من التعبير عن إرادته بانتخابات شفافة..
ودون شك فإن البروفيسور لبات شريك في صناعة حالة “التيه” خلال ثلاث سنوات ماضية، ومن المحزن أنه جاء -وانطلاقاً من ذات المنصة- لإعادة المشهد إلى ذات الحلقة المفرغة..
(2)
محطات الحياة السياسية للبروفيسور ولد لبات تكشف جوانب من شخصيته، فقد تولى مهام وزارة الخارجية في عهد حكومة (العقيد) معاوية ولد الطايع، الذي تولى السلطة ١٩٨٤م بانقلاب عسكري على حكومة ولد هيدالة، وذلك كان مدخله لبناء شبكة علاقاته الإقليمية والدولية.. ومصالح فرنسا ذات ارتباط وثيق بدول شمال وغرب ووسط القارة الأفريقية..
ولم تشهد المنعطفات السياسية الحادة في الدولة الشقيقة موريتانيا أي دور للبروفيسور ولد لبات في مقاومة الانقلابات العسكرية منذ انقلاب الجنرال ولد السالك على ولد دادا عام ١٩٧٨م، وانقلاب العقيد الولي عام ١٩٧٩م، وانقلاب ولد هيدالة ١٩٨٠م.. بل استوزر في عهد ولد الطايع..
وللبروف ولد لبات التزام راسخ بالفكرة الشيوعية، وهو عضو بالحزب منذ بدايات التأسيس ١٩٦٨م.. ولذلك كان وما زال هناك توجس من أطراف سياسية من مواقفه، فالفكرة تظل كامنة وذات تأثير في مسارات حياة الأفراد ومن الصعب التخلص منها، كما أن الصورة الذهنية رهينة بهذا الانتماء والتاريخ الحزبي..
(3)
كل هذه الأثقال تتطلب أكثر من “إمامة الصلاة” في دار حزب المؤتمر الشعبي، وقد شهدت مساءات الخرطوم لقاءات كثيرة للبروفيسور ولد لبات عام ٢٠١٩م..
فقد هتف ولد لبات في قاعة الصداقة بتوقيع الوثيقة الدستورية، بينما أمين عام حزب المؤتمر الشعبي د. علي الحاج ونائبه الشيخ إبراهيم السنوسي في الاعتقال، وبعد ثلاث سنوات ما زالوا هناك، دون أن ينبس بكلمة أو مطالبة بإطلاق سراحهم وهم فوق السبعين من العمر ولم تلحق بهم تهمة “خيانة الأمانة”، ومع ذلك يسعى لغسل أدرانه وتخفيف أثقاله من بوابة هذا التيار السياسي..
وكان التيار الوطني والإسلامي حاضراً في المشهد السياسي، وولد لبات “يحيك” (من خلال وثيقته) عباءة سياسية لمشاركة مكونين سياسيين أورثوا بلادنا الدمار والتفتيت الاجتماعي والخلافات وأسوأ تجارب الإقصاء والتشفي.. ولم يكلف نفسه عناء التواصل مع التيارين الوطني والإسلامي أو منحهما حق الممارسة السياسية..
وحين سقطت رهانات البعض، وتنامى التيار الوطني والإسلامي واتسعت أدواره، ووحد جهوده وبسط نفوذه الشعبي، جاء ولد لبات من بوابة المؤتمر الشعبي، ذات الحزب الذي كانت عضويته تسحق في قاعة قرطبة على مرأى ومسمع المكون العسكري والمبعوث الأممي..
من حق أي مبعوث أو مفوض أن يبحث عن مداخل، ولكن من الضروري تذكيره بالخيبات السالفة وإنعاش الذاكرة، فالبدايات الجديدة تتطلب إزالة المنغصات السابقة..
(4)
ويبقى أن نقول إن تجارب المبعوثين الدوليين فاشلة، ولم تحقق واحدة منها نجاحاً يذكر وخاصة في المنطقة العربية، بدءا من الحرب اللبنانية، وتكررت في العراق والصومال، وشهدت المنطقة بعد الربيع العربي ٢٠١١م أكبر دفعة من المبعوثين في اليمن وليبيا وسوريا والسودان، وكانت النتائج خيبة كبيرة وخذلانا للشعوب..
ولا أظن أن تجارب السيد فولكر بيرتس، رئيس اليونتاميس، والبروفيسور ولد لبات ذات خلاصات مخالفة لما جرى به الواقع، وعلى أبناء الوطن تدبر مآلاتهم ومستقبل بلادهم..
إن مهمة المبعوث رهينة ظروف كثيرة خارجية ومصالح دولية وأجندة إقليمية وبيئة سياسية داخلية ذات تقاطعات عديدة، ومن الصعب استيعابها من خلال فرد أو مكتب، ولن نظفر بمردود إذا انتظرنا وارد الخلاص من لقاءات جانبية وقاعات باردة وحديث هامس..
أفتحوا حوارات في فضاءات الوطن وأصقاعه وقياداته المجتمعية، وأعيدوا ضبط المشهد على روح الولاء الوطني والتسامح والوحدة..