عثمان ميرغني يكتب: “كرينك” .. تجدد الموت!!
عثمان ميرغني يكتب: “كرينك” .. تجدد الموت!!
محلية “كرينك” بولاية غرب دارفور شهدت خلال الأيام الماضية أحداثاً دموية مؤسفة..بداية القصة هذه المرة أن إحدى القبائل فقدت في ظروف غير معروفة إثنين من أبنائها، ووجدا مقتولين، وإلى هنا من الممكن أن يأخذ القانون مجراه ويُلقى القبض على الجناة لتمتد إليهم يد العدالة والمحاسبة والعقاب. لكن عِوضاً عن ذلك اجتاحت المدينة موجة عنف انتقاماً لمقتلهما، وفي يوم واحد قُتل أكثر من 15 من الأطراف كلها.
في الأحداث السابقة قبل حوالى عام، قُتل حوالى خمسين بسبب أحداث عنف نتجت من حادثة عابرة صغيرة بسيطة للغاية.. أحد الشباب استفاد من خدمة “شحن الموبايل بالكهرباء” التي تقدمها بعض المحلات في السوق، وعندما اكتمل شحن جهازه رفض دفع قيمة الخدمة، فثار نزاع عادي مع صاحب المحل وللأسف مع توفر السلاح أطلق الشاب صاحب الموبايل رصاصة على مرافق صاحب المحل فقتله على الفور، و لكن صاحب المحل انتزع منه البندقية وأطلق الرصاص عليه فقتله، وفي الحال بدأت معركة شرسة بين الطرفين اللذين ينتمي إليهما أصحاب القصة الحقيقية، وتوسع القتال لعدة أيام استخدمت فيه الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وسيارات الدفع الرباعي مما جعل الخسائر البشرية والمادية تقفز بصورة جنونة.
ورغم أن بداية كل القصص دائماً تشير إلى أنها أحداثاً جنائية عادية قابلة للنظر عبر مؤسسات العدالة لإنصاف المظلومين وردع الظالمين إلا أنها دائماً تتحول إلى كتلة لهب ذات بعد عِرقي وحتى بعد أن تنطفيء النيران تظل في جمراتها متقدة في الصدور لتشعل الحريق في أول سانحة قادمة.
هذه التراجيديا المزمنة لن ينطفيء حريقها بأية ترتيبات أمنية مهما كانت كبيرة، ففي مدينة الجنينة عاصمة الولاية نفسها شهدنا تجدد المعارك والمجازر رغم أنها في كل مرة تنتهي بحشد القوات النظامية لمنع الاقتتال وفعلاً تهدأ الأوضاع قليلاً تحت حراسة البندقية ، ولكن سرعان ما تعود مر أخرى أكثر ضراوة لأن النيران تظل تحت الرماد.
الحل الجذري ليس لـ”كرينك” وحدها بل لكل الصراعات الدموية في السودان هو برنامج تنمية واسع وشامل ، يستنهض خيرات البلد المكتنز بالثروات،عندها سيصبح الجميع شركاء في الحياة لا الموت.. في الفوز لا الخسارة.. فالذي يقتل الناس ليس البندقية والرصاص، بل اليأس و فقدان الإحساس بالحياة..
البندقية لا تحملها الأيدي، بل العقول..