عثمان ميرغني يكتب: لنكن صرحاء..

عثمان ميرغني يكتب: لنكن صرحاء..

كثير من المعلومات رغم كونها معلومة للخائضين في المشهد السياسي إلا أنهم يتحاشون الجهر بها خشية إملاق جماهيري، ولهذا يبذلون جهداً كبيراً في ضخ البيانات الطويلة المحشوة باللغة والكلمات فيتوه القاريء دون أن يستوعب خلاصاتها.. كما فعلت الحرية والتغيير في بيانها أمس.

وبمنتهى الصراحة، هناك معطيات لا يمكن لأي سياسي – ولو مبتديء- أن يفوته الإلمام بها.. وهي:

الأول: الانقلاب العسكري الذي وقع في البلاد فجر 25 أكتوبر 2021 الماضي، هو وضع مؤقت -جداً- وزائل أما بتسوية سياسية يقودها المجتمع الدولي أو ببلوغ الانتخابات التي حددها الانقلاب نفسه ، أو بالطامة الكبرى التي قد تقع بفعل تلاشي الدولة واضمحلال الإحساس بالسلطة و قد تعود المسرح السياسي على مثل هذه السيناريوهات في المنحنيات التاريخية.وللتأكيد أكرر ، الانقلاب العسكري وما نتج عنه أمر موقوت وزائل قريباً.

الثاني: المجتمع الدولي ممثل في القوى الرئيسية الدولية واللاعبين الإقليميين – ولنكن صرحاء- رغم كونهم يرفضون الانقلاب العسكري لكنهم لا يقبلون في الوقت الراهن إنفراد المدنيين بالحكم، لعدم ثقتهم في قدرة المكونات السياسية على إدارة البلاد بالجدية والقوة التي تحافظ على تماسكها وتجنب الانزلاق في سيناريوهات الدولة الفاشلة. وبعبارة سافرة، المجتمع الدولي يفضل سلطة عسكرية قادرة على حكم مدني هش وضعيف.

بهذا المنطق فإن ما يجب أن يضعه المدنيون – بمختلف تياراتهم- في الاعتبار أن النصاب المطلوب لبلوغ ثقة المجتمع الدولي في قدرتهم على إدارة الدولة لا توفره البيانات والتصريحات مهما اشتطت وتدججت بالبلاغة وفصل الخطاب، فالمطلوب لإزاحة “البرهان” برهان قاطع على قوة المكون المدني وقدرته على إدارة الدولة. وهذا لا يعني طي الخلافات بين المكونات السياسية أو المجتمعية بل القدرة على إدارة الخلاف دون أن يؤثر ذلك على إدارة وسلامة الدولة.

لكن بكل أسف الواقع على النقيض من ذلك تماماً..

تجتهد المكونات السياسية السودانية في صياغة البيانات أو حتى “التغريدات” على مواقعها، بلغة محملة بالمعاني العريضة.. للدرجة التي قد يحتاج القاريء أن يعيد القراءة أكثر من مرة ليتعرف على المقصود من البيان.

وأمس أصدر المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير “الأصل” بياناً أمس يحدد فيه موقف التحالف من مساعي الثلاثية (بعثة يونتامس- الاتحاد الأفريقي-الايقاد) للوصول لحل متوافق عليه للأزمة السودانية. قرأت البيان أكثر من مرة، ولم استطع فهم المقصود منه.

البيان من السطر الأول أعلن رفضه لدعوة الآلية المشتركة (الثلاثية) لاجتماع تحضيري.لكن البيان الطويل قفز إلى الخلاصات والقرارات التي يجب أن تخرج بها العملية السياسية التي ترعاها الثلاثية الدولية فقال (الحل السياسي الذي نريده هو الذي يحقق مطالب الثورة في إنهاء انقلاب 25 أكتوبر 2021 وإقامة سلطة مدينة كاملة)..

ومضى البيان ليحدد أن الأمم المتحدة مهمتها الأساسية هي (طي صفحة الانقلاب وإقامة سلطة مدنية)..

وقال البيان أن هدف هذه العملية التحضيرية للمفاوضات هو تكوين حاضنة (لدعم الانقلاب)..

هذا البيان يقدم (بيان بالعمل) على إن قوى الحرية والتغيير لم تعد قادرة على إدارة عملية سياسية تفضي لإكمال الفترة الانتقالية بسلام للانتقال من الثورة الى الدولة.

الوضع الذي تعيشه البلاد الآن لا ينتظر والمطلوب ليس مجرد شروط يمكن صياغتها في بيان لا يكلف حتى ثمن الحبر (فهو يُكتب عبر الوسائط)، بل برنامج “دولة” يقنع السودانيين أولاً ثم المجتمع الدولي بأنه يحقق شروط ابتدار بناء الدولة وإدارتها بصورة آمنة بعيداً عن المخاطر.

مقالات ذات صلة