عثمان ميرغني يكتب .. خصخصة الأمن..
عثمان ميرغني يكتب: خصخصة الأمن..
قبل أيام قلائل سمعنا بعد منتصف الليل صوت طلقات نارية قريباً من منزلنا كانت معركة غير متكافئة بين مجموعة مدججة بالأسلحة النارية وشاب يبيت الليل أمام بقالته الصغيرة في الحي، وشاء الله أن يصاب الشاب برصاصة ولكن بفضل الله تعافى بعد نقله إلى المستشفى.
وسمعت تسجيلاً لزوجة أحد أساتذة الجامعات تحكي فيه قصيرة بوليسية مثيرة، مجموعة اقتحمت سيارة زوجها أثناء توقفه أمام اشارة مرور في أحد أشهر وأكثر الشوارع ازدحاماً، ثم اختطفته إلى منطقة خالية من المارة وأفرغت كل ما لديه بعد أن ضربته على وجهه وعينيه بصورة وحشية تركت آثارها.
مثل هذه القصص لم تعد حوادث نادرة يسمع بها الناس من حين لآخر بل أضحت أخباراً متواترة وفي كل مكان بالعاصمة وربما غيرها من المدن الكبرى.
وفي البداية كانت الشكوى من مجموعات تحمل الأسلحة البيضاء “السواطير”، ولكنها تطورت إلى مسدسات، والآن وصلت مرحلة الأسلحة الرشاشة الأوتوماتيكية، وعلى ظهور سيارات الدفع الرباعي بدلاً من الدراجات النارية.
لم يعد حي في العاصمة لا يشكو ويحكي قصص الرعب اليومية وعلى مدار الساعة وليس فقط تحت أستار الليل.
القاسم المشترك في حكاوي هذه الجرائم أن مرتكبيها يستغلون الأزياء الرسمية للقوات النظامية، وأنهم يعملون في شكل مجموعات منظمة وتستخدم سيارات أو درجات نارية بلا لوحات، وأنها تتسم بالجرأة والثقة الكاملة في الإفلات من العقاب.
وبكل أسف؛ مع تفاقم حالة الخوف بدأ المواطنون يسلحون أنفسهم ويحملون السلاح معهم حتى داخل المساجد، و قد رصد شاهد عيان في حادثة ميدان الأهلية قبل يومين العدد الكبير من الجمهور الذي أشهر الأسلحة خلال مطاردة مجموعة هاجمت حي بيت المال.
والحال هكذا، لم يصدر أي بيان من السلطات الرسمية -خاصة الشرطة- توضح للمواطنين ماذا يجري بالضبط، هل هي حالة انفلات عام؟ هل هي موجة مرتبطة بالأوضاع السياسية؟ هل هي حوادث تستهدف إشاعة حالة الفوضى وانهيار الأمن؟ لا أحد يخرج ليشرح للمواطنين تفسيراً للرعب..
والأمر بالطبع لن يقف في حدود الخوف هنا داخل السودان، فقد أصدرت إحدى السفارات تحذيراً لمواطنيها بعدم زيارة السودان متعللة بتواتر الحديث عن جرائم السرقات و التعدي المسلح على المحلات والمنازل.. وربما قريباً يصبح للسودان وصمة خارجية أشبه ببعض الدول التي يخشى الناس زيارتها لشيوع حالة التفلت الأمني فيها.
مطلوب من وزير الداخلية أو المدير العام للشرطة السودانية أو مدير شرطة ولاية الخرطوم أو أي مسؤول يهمه الأمر أن يخرج و يوضح للناس ما يجري، فلو استمرت الأوضاع بهذا المنوال فسيأتي يوم يتحول فيه حفظ الأمن إلى (مهمة خاصة) ، وعلى كل مواطن أو مقيم أو زائر للسودان أن يتولى مسؤولية حماية نفسه.
المطلوب اليوم قبل الغد، بيان من جهة رسمية ذات اختصاص لتوضح حقيقة ما يجري في العاصمة والمدن الأخرى.