المتاريس .. علاء الدين محمد ابكر .. مصر والسودان دم واحد وتاريخ مشترك

المتاريس✍️علاء الدين محمد ابكر
______________________
مصر والسودان دم واحد وتاريخ مشترك
_____________________
لم تكن العلاقة مابين مصر والسودان وليدة دخول جيوش محمد علي باشا للسودان سنة 1821 بل هي علاقات قديمة ضاربة في أعماق التاريخ حيث ترجع إلى عهد الفراعنة حيث اشتهر السودان في ذلك الزمان ببلاد كوش (الإسم القديم للسودان) لهذا أطلق عليه الفراعنة لفظ النوبة، وهو اسم يعني ارض الذهب، حيث كان يتوافر هذا المعدن النفيس في بلادنا، كانت هناك وشائج صلات قوية ، تربط مابين شطري وادي النيل، حيث عَبَد قُدماء السودان نفس الإله الفرعوني أمون راع، والذي حظي بتقديس كبير، وله معابد تقدم فيها القرابين وكذلك تشارك قدماء شعبي وداي النيل، في أشياء كثيرة منها طريقة ارتداء الملابس، والأطعمة، كما كانت طريقة الكتابة متشابهة.

وقد كانت توجد كلمات وحروف فرعونية تدخل ضمن المكون اللغوي في اللغة المروية، لغة بلاط مملكة نبتة السودانية، بل كان ما يعرف اليوم بالسودان دور بارز في مناهضة إحتلال الهكسوس لمصر، حيث كان السودان داعم للمقاومة الفرعونية بقيادة الأمير المصري الثائر أحمس، حيث كان ضمن جيشه جنود من جنوب الوادي، حتى تم له طرد الهكسوس من مصر.

إن الناظر لطبيعة تلك العلاقة مابين شعبي وداي النيل، قد يصاب بالتعجب والاندهاش، وهو يتابع تواصل وتصاهر وتعاون شعبي وداي النيل، في وقت لم تكن البشرية عرفت في ذلك الوقت مفهوم السفارات، أو حتى وسائط إعلامية كما هو في عصرنا الحالي، لكني سوف أرد بسرعة وبدون تفكير وأقول إن رابط الدم الواحد كان خير سفير..ورغم السنوات لم تنقطع روابط التواصل مابين شطري وادي النيل، في مختلف الحقب والعصور، حيث كانت مصر نافذة السودان للعالم، كما كان لمصر دور في دخول المسيحية للسودان، ومن بعده الإسلام، فمصر كانت دار علم، نهل منها علماء السودان شتى ضروب المعرفة، ولعب الأزهر الشريف دوراً محورياً كبيراً في دعم التواصل بين شطري وادي النيل، حيث حظي طلاب السودان بمكانة وقدر كبير من الإحترام بمصر، فكان إنشاء رواق السنارية بالأزهر، الذي يتبع لسلطنة سنار أو السلطنة الزرقاء أو مملكة الفونج، وكلها أسماء لمكون سياسي واحد، إضافة لرواق دارفور، لتكون ملاذ لكل طالب علم سوداني يقصد ارض الكنانة وإذا انتقلنا لفترة الحكم التركي المصري للسودان، سنجد أثر التواصل اكبر مابين شعبي وادي النيل، حيث كان لتواجد عدد كبير من أبناء السودان ضمن عساكر جيش الخديوي، الأثر الكبير في ربط هذه العلاقات بالتصاهر، حيث جلب العديد من الجنود السودانيين الكثير من عوامل الثقافة المصرية، مثل عزف العود وطرق الري ألحديثه وبعض الأطعمة التي لم تكن ضمن المطبخ السوداني.

كذلك كان لنفي الشيخ رافع رفاعة الطهطاوي للسودان، أثراً عظيماً في إحياء العلم، لاسيما وان أهل السودان لهم عشق وهيام بكل رجل علم وطأ ارض النيلين.

بلغت قمة عنفوان العلاقة المصرية السودانية، في أعقاب ثورة 1919م بقيادة سعد زغلول، ضد الوجود الانجليزي، وقد تعاطف شعب السودان مع حق مصر في الحرية، حتى كانت احداث شهر نوفمبر 1924، حيث حدث اشتباك مابين جنود سودانيين من الفرقة المصرية، ضد الجيش الانجليزي، عرفت بحركة اللواء الأبيض، كان خروج الجيش المصري من السودان عقب اغتيال مستر سير لي إستاك في شوارع القاهرة، ثم أعقب تلك الأحداث القبض على قائد الحركة البطل علي عبد اللطيف، ونقل بعدها إلى القاهرة، وتوفي فيها وتم دفنه في مقابر الشهداء التابعة للجيش المصري، بإعتباره ضابط في الجيش المصري، وهو في نفس الوقت رمز وشخصية سودانية كبيرة تحظى بالإحترام والتقدير، كما خدم الكثير من أبناء السودان في صفوف الجيش المصري، على سبيل المثال وليس الحصر، سعادة الفريق الزبير باشا رحمه الذي شارك في الحرب الروسية التركية، في منطقه القوقاز، واللواء عبد الله عبد الرحمن النجومي، ابن أشهر أمراء ألدوله المهدية، وقد عمل ياور للملك فاروق الأول ملك مصر والسودان.. إضافة إلى الشاعر العسكري عبد المنعم عبد الحي صاحب رائعة أنا أم درمان)، إضافة للعديد من الأسماء الأخرى.

ومن ناحية أخرى تأثر الكثير من رواد الفن السوداني بنجوم الفن والسينما المصرية، منهم صلاح ابن البادية، الذي تقاسم بطولة فيلم (رحلة عيون) مع النجمة سمية الألفي، إضافة إلى الفنان الراحل الفاضل سعيد، وكذلك شاركت الفنانة فايزة عمسيب في فيلم (عرق البلح )، وشكل الفنان السوداني إبراهيم خان، وجودا كبيرا ومميز في الدراما والسينما المصرية، والمخرج سعيد حامد، والمطربة جواهر، والفنانة ستونه، والإعلامي حمدي بدر الدين مدير لإذاعة وادي النيل، والإعلامي الشاعر السر قدور سفير السودان الشعبي، المقيم بمصر بصورة شبه دائمة.

ويذكر التاريخ أن والدة الرئيس محمد أنور السادات كانت سودانية من مدينة دنقلا، والرئيس المصري الراحل محمد نجيب كان من مواليد السودان، وكذلك خدم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمنطقة جبل أولياء جنوب العاصمة الخرطوم..وأعقاب حرب 1967 استضاف السودان مقر الكلية الحربية المصرية، في منطقة وادي سيدنا لتدريب الضباط من الجيش المصري، وخرج الشعب السوداني مستقبلاً الزعيم جمال عبد الناصر عقب نكسة يونيو 1967، لتكون الخرطوم ملهمة جمال عبد الناصر في الصمود.

.لقد كانت مصر قبلة لكل فنان سوداني، يبحث عن المجد والنجومية، حيث سجل العديد من رموز الفن السوداني في استوديوهات مصر، أيام رواد الفن منهم محمد سرور، وعبد الكريم كرومة، وزنقار، ومهله العبادية، وعميد الفن احمد المصطفى ، وحسن عطية، والعاقب محمد الحسن، والعملاق محمد وردي، والكاشف، وإسماعيل عبد المعين..
وفي المجال الرياضي لمعت نجوم في سماء ملاعب وادي النيل، ومن السودان تألق النجم سليمان فارس، والنجم عمر النور، والنجم قله، والنجم قرن شطة في السبعينيات ، والرشيد المهدية، وحتى جيل انس النور، وريتشارد جاستين ومن نجوم الكرة المصرية الذين لعبوا في السودان، نذكر النجم عصام الحضري، والنجم أيمن سعيد، والنجم عاشور الأدهم، وفي التدريب حسام البدري، واحمد رفعت، ومحمود سعد، ومصطفى يونس..واحمد ساري والشاحت وحمادة صدقي كما لعبت المجلات والمطبوعات المصرية والدراما دوراً هاماً في تواصل شعبي وادي النيل، بل يكاد السودانيين يحفظون عن ظهر قلب أسماء نجوم السينما المصرية.

سوف تظل العلاقة مابين شعبي وادي النيل مستمرة قوية حميمة، لأن القدر كتب لها أن تكون علاقة حب وتاريخ ودم واحد

المتاريس
علاء الدين محمد ابكر
alaam9770@gmail.com

مقالات ذات صلة