رغم حدتها.. كيف حصن بوتن روسيا ضد عقوبات الغرب؟

رغم إدراكه للعواقب الاقتصادية التي ستلحق ببلاده إذا أقبل على خطوة التدخل العسكري في أوكرانيا، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، مضى قدما بخطته متجاهلا المجتمع الدولي وتهديدات العقوبات التي تنهال عليه منذ نحو شهر، فما السبب وراء ذلك؟، وهل نجح الرئيس الروسي في تحصين بلاده ضد تلك العقوبات؟.

وأثارت جرأة الرئيس الروسي علامات استفهام كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، إذ بدا وأنه قد “حضّر” نفسه وبلاده لمثل تلك العقوبات، وقام بـ”التحصينات اللازمة”.

وقال الخبير الاقتصادي ومقدم برنامج ” Overhoot”، ماثيو كلاين، إنه منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية عام 2014، أظهر بوتن “فهما شجاعا” لحقيقة أن الغرب “لن يقابل القوة بالقوة، وإنما بالعقوبات”، مما دفع موسكو خلال السنوات الثماني الماضية، للعمل على تقليل تأثير العقوبات.

وأوضح أن “الشعب الروسي قبل بانخفاض مستويات المعيشة، وخفض استهلاكه من الواردات بأكثر من الربع، فيما دفعت الشركات الروسية المبالغ المستحقة للدائنين في الخارج، مخفضة ديونها الخارجية بمقدار الثلث، وشددت الدولة الروسية إجراءاتها، مما سمح لها بتكوين احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية”.

بايدن: سنفرض عقوبات تكلف اقتصاد روسيا الكثير

بايدن: سنفرض عقوبات تكلف اقتصاد روسيا الكثير

ومن خلال تبني هذه “التضحيات”، حصنت روسيا نفسها ضد أسلحة الغرب الاقتصادية، إذ يملك البنك المركزي الروسي صندوقا بـ630 مليار دولار “للأيام المضطربة”.

وحتى إذا منعت العقوبات 100 بالمئة من الصادرات الروسية لمدة عام كامل، فستستمر البلاد بالاستيراد بوتيرتها الحالية، وسيتبقى لديها احتياطيات من النقد الأجنبي.

وكان رد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأولي على توغلات بوتن، هو منع المستثمرين الأميركيين من شراء السندات الروسية، لكن روسيا ليست بحاجة إلى الاقتراض من الأميركيين، حسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

وتساءلت الصحيفة، أنه في غضون ذلك، كيف استعد الغرب لأزمة اليوم؟، لافتة إلى أنه بدلا من تقليل احتياجهم لإمدادات الطاقة الروسية، زاد الأوروبيون اعتمادهم عليها.

ففي عام 2013، استورد الاتحاد الأوروبي حوالي 135 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي؛ وبحلول عام 2019، أي العام الذي سبق جائحة كورونا التي أثرت على الأرقام، استورد 166 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها الربع تقريبا. كما ارتفعت صادرات الفحم الروسي إلى أوروبا.

وعلى الرغم من استثمارات أوروبا في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن حصة روسيا في سوق الطاقة الأوروبي قفزت من 16.5 بالمائة إلى 18.5 بالمائة في السنوات التي أعقبت أزمة 2014.

وهذا يضع الإجراءات الأوروبية الأخيرة في منظورها الصحيح، إذ علقت ألمانيا تشغيل خط الأنابيب الروسي الألماني “نورد ستريم 2″، الذي كان يهدف إلى مضاعفة شحنات الغاز الطبيعي من روسيا.

ونظرا لاحتياجات الاستيراد الحالية، يمكن لروسيا أن تعيش على ما يرام من دون مشروع “نورد ستريم 2“، بحسب الصحيفة الأميركية.

كما فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات أخرى على روسيا، تستهدف البرلمانيين الروس وأصدقاء بوتن، لكن من المحتمل ألا تؤتي بالتأثيرات التي يرغب الغرب بها على الرئيس الروسي.

وأعاقت العقوبات كذلك معظم البنوك الروسية، لكن الشركات الروسية التي تريد القيام بأعمال تجارية في الغرب، ستجد شركاء ماليين بديلين.

جونسون

وتم كذلك حظر تصدير بعض المنتجات التقنية إلى روسيا، وهذه العقوبات تحديدا قد تؤثر على موسكو، إلا أن التأثيرات ستتحقق ببطء.

وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن العقوبة التي سيكون لها التأثير الأكبر، هي حجب نظام “سويفت” للمدفوعات العالمية بين البنوك عن روسيا، وهو النظام الذي تتبادل من خلاله البنوك الرسائل بشأن المدفوعات.

وهذا من شأنه أن يعقد التجارة بين الغرب وروسيا بشكل كبير، ويحدث فوضى كافية لإحداث مشاكل حقيقية لبوتن، فبالرغم من أن البنك المركزي الروسي “مملوء” بالاحتياطيات، فإن تلك الأموال لن تكون ذات فائدة كبيرة إذا لم يتم استخدامها لشراء الواردات.

ولهذه الأسباب، دعت أوكرانيا ودول البلطيق الثلاث، الغرب لإبعاد روسيا عن نظام “سويفت”، إلا أن طردها من النظام المصرفي قد يتسبب في أزمة طاقة بأوروبا، لذلك تعارض ألمانيا وجيرانها، في الوقت الحالي على الأقل، تلك الخطوة، باعتبار أنها “تضحية غير مقبولة” في الوقت الراهن.

وختمت الصحيفة الأميركية تقريرها، بالتساؤل عما إذا كانت “هشاشة الغرب ورفض الأوروبيين قبول التضحية، يفسر لماذا شعر بوتن بالجرأة للتدخل العسكري في أوكرانيا في المقام الأول؟، وما إذا كان على الغرب الآن تعديل حساباتهم”.

مقالات ذات صلة