السودان الجريح.. يداوي الجراح!!!!
فنجان الصباح ☕ أحمد عبدالوهاب
… ………………………
” الصدق في الوطنية من اشرف الارزاق” “الدكاترة زكي مبارك”
ما من بلد في الدنيا العريضة يشبه فضيلة التسامي والتسامح وتشبهه كمثل السودان. ومامن شعب عاش افراده وقبائله التسامح واقعا حيا يمشي بين الناس، وطبقه في حياته وسائر شؤونه وشجونه، مثل شعب السودان. وهذا وحده مايفسر للعالمين دهشتهم ويجيب على سؤال مقلق َومحير ( لماذا غالب ثوراتكم بيضاء..؟ ولماذا جل انتفاضاتكم بلا دماء.؟!).
انه واقع احتار فيه الثائر البوليفي العالمي دكتور جيفارا عندما زار السودان عقب ثورة اكتوبر – تشرين الاول – عام ١٩٦٤م.
فقد قيل ان الرجل سأل مضيفه عن عدد الشهداء الذين مهروا بدمائهم ثورتكم المجيدة، والتي طبق ذكرها العالم باسره.. وقد اسقط في يد الرجل لما علم ان عدد الشهداء لم يتجاوز اصابع اليد الواحدة وبعدها من استدار عائدا الي بلاده.. لقد وقر في عقل الرجل اليساري كغالب الثوار في حقبة الحرب الباردة وزمان حركات التحرر والكفاح المسلح ضد الاستعمار، ان الثورة بحاجة الي بحار من الدم، والي تلال من الجماجم والي ستة اصفار امام كل رقم لكي يقال لها ثورة، تستحق هذا الاسم اوالاثم..
ولكن هذا البلد الفريد موقعا وانسانا.. والذي التقي عنده خط الاستواء والعتمور.. وتصالح في خيمته المتنبي وكافور، ظل يقدم علي الدوام نماذج حضارية وانسانية شديدة الابهار والغرابة. فهو الشعب الذي يبغض الثارات ولكنه يفجر الثورات.. فقد تفجرت في أرضه ثلاث ثورات في اقل من ثلاثة ارباع القرن. انها امة حية وانه شعب يستحق الحياة.. ان تربة السودان لا تصلح لنمو الافكار الدموية ولا الايدلوجيات المتطرفة العنيفة.
غير ان الساحة السودانية قبل وبعد ثورة ديسمبر ظلت تموج بافكار مسمومة ودعوات منكرة و محمومة لشيطنة متبادلة للقبائل والكيانات جميعا او اشتاتا في حملات صبيانية تريد اشعال حريق كبير في غفلة الرقيب وغيبة الطبيب مستغلة ضعف الدولة وهشاسة السلطة وما انتجته الازمات المتلاحقة من تصاعد جنوني للاسعار وجشع التجار من غبن اجتماعي وسخط شعبي اثمر واقعا شديد الاشتعال لا يحتاج الا لعود كبريت..
ان مثل هذه الدعوات الملعونة اذا قدر لها الحصول علي حاضنة عنصرية ورافعة اقتصادية وتم مزج ذلك بالسياسة ان تنتج خليطا خطر شديد الالتهاب لا يمكن السيطرة علي حريقه..
ولكن من جميل صنع الله تعالي ان قيض لهذاالسعار العنصري والوباء الاثني الوبيل ثلة من ابرار ابناء السودان تسلحوا بالعلم والفهم والمعرفة وتحصنوا بالوطنية الصادقة ساءهم ان ينزلق بلد الامان والاخوة الي مستنقع العنصرية وان تعلو اصوات الثارات والعنصريات علي صوت العقل والحكمة.. وكان ان اثمر جهادهم الاغر المحجل مبادرة للتسامح والسلام المجتمعي.. وتذكروا هذا الاسم جيدا، فسيكون له مابعده..
ان من شأن هذه المبادرة العظيمة اسما ومعني ان تعمل لاكثر من مجرد اطفاء الحرائق.. فهي تعمل بداب شديد وحرص كبير عليتحديد المرض وتجفيف مصادره توطئة لعلاجه والقضاء عليه قضاء مبرما.
انها ترمي لنزع فتيل الاستقطاب الاثني والتعصب السياسي والجهوي عبر منحها الأولوية لنشر وتطبيق روح التسامح وقبول الاخر وافشاء قيم الوطنية في مواجهة الاستقطاب وحملات تسويق بضاعة الشيطنة والاستثمار في الكراهية..
ان هذه المبادرة التي فتحت ذراعيها مرحبة بكل ابناء الوطن بدون فرز تتطلع لاطلاق حملة بعنوان السودان اولا وتندرج تحته عناوين كثيرة وكبيرة.. لا تبدا باطلاق مهرجانات تراثية تبرز تفرد ثقافة السودان وثرائها وتنوعها ولا تنتهي باقامة (موتمر السودان العالمي للتسامح) هذا المؤتمر المحضور سيشمل قيام محاضرات وندوات يتداعي لها رجالات الفكر والثقافة والسياسة من كل انحاء العالم.. كنا يشمل موائد مستديرة وملتقي للمجتمع الدولي وتظاهرة فريدة للمنظمات الطوعية وطنية وعربية وعالمية.. وغير ذلك من الانشطة الثقافية والرياضية..
ان من شان هذه الحملة ان تستصحب حملات لاتتثاءب للتوعية بالعدالة الانتقالية ليس بداية بالمصالحة ولا انتهاء بجبر الضرر.. وبين هذا وذاك تعمل المبادرة ليل نهار لاجل تقوية اجهزة المناعة الوطنية بتمتين اواصر الثقة وتدعيم بنيان السودان بالحجر الصوان.
انها مبادرة ولصلة وموصولة ومقبولة وفرص نجاحها موفورة.. ولكن المرجو من كل النخب السودانية ان تضع امكانياتها تحت تصرف مبادرة التسامح لانها مبادرة لاجل وطن نخاف ان تقضي عليه السخائم ما بين اطماع البنادق و العمائم..
“تداركتما عبسا وذبيان بعد ما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم”..