“أمريكا انتصرت”.. قراءة في خطاب الانسحاب، وهل ينجح بايدن في تغيير صورة الهزيمة بأفغانستان؟
وكالات اثيرنيوز
في خطابه حول الانسحاب من أفغانستان رسم الرئيس جو بايدن صورة وصفها “بالنجاح غير العادي”، مؤكداً على “تحقيق الولايات المتحدة أهدافها كاملة” من حرب استمرت 20 عاماً، فإلى أي مدى نجح في التغطية على مرارة الهزيمة؟
جاء وصف بايدن لعملية الإجلاء من أفغانستان بأنها “نجاح غير عادي”، الثلاثاء 31 أغسطس/آب، في أول تصريحات علنية له بعد يوم واحد من انسحاب الولايات المتحدة بشكل كامل من أفغانستان، لتنتهي أطول حروب واشنطن على الإطلاق.
وكان اللواء في الجيش الأمريكي “كريس دوناهيو”، قائد الفرقة الـ82 المحمولة جواً، هو آخر عنصر من القوات الأمريكية يغادر أفغانستان الإثنين، بحسب تغريدة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، لتضع النهاية لأطول حروب الولايات المتحدة، وهي حرب أفغانستان التي دامت عقدين كاملين، وانتهت بالاستسلام للهزيمة والفشل في تحقيق الأهداف، كما يقول الأمريكيون أنفسهم.
هل “أمريكا انتصرت” كما قال بايدن؟
وتحدّث بايدن للأمريكيين في خطاب مباشر من البيت الأبيض، استهلّه بالتركيز على أنه أوفى بوعده، وأنهى حرب أفغانستان المستمرة منذ 20 عاماً، ووصف عمليات إجلاء أمريكيين وأفغان بأنها “نجاح استثنائي”، مشيراً إلى 120 ألف شخص تم إجلاؤهم من أفغانستان، “وهو ما لم يحدث من قبل في التاريخ”.
وجدّد بايدن قوله إنه “يتحمل المسؤولية عن قراره بالانسحاب”، مضيفاً: “لم يعد لدينا هدف واضح في مهمة مفتوحة في أفغانستان، وأرفض إرسال جيل آخر من أبناء وبنات أمريكا لخوض حرب كان يجب أن تنتهي منذ فترة طويلة”.
واستطرد: “بعد أن خدم أكثر من 800 ألف أمريكي في أفغانستان، وأصيب 20 ألفاً و744 جندياً، وقُتل ألفان و461 آخرون، بينهم 13 قتلوا هذا الأسبوع فقط، أرفض بدء عقد آخر من الحرب في أفغانستان”.
وفي ظل وجود أمريكيين في أفغانستان حتى الآن، أفاد الرئيس بأن القوات الأمريكية تمكنت من إجلاء 90% من الأمريكيين الراغبين في المغادرة. وبشأن الأمريكيين الذين ما زالوا في أفغانستان أكد بايدن التزامه بإخراجهم، مضيفاً: “ليس هناك موعد نهائي”.
وشدد الرئيس على أنه رغم سحب بلاده قواتها من أفغانستان فإنها ستعمل على ضمان وفاء حركة طالبان- العائدة للحكم مرة أخرى بعد أن أطاح بها الغزو الأمريكي قبل 20 عاماً- بالتزاماتها، بما في ذلك توفير ممر آمن لأولئك الذين يريدون مغادرة البلاد.
كانت الولايات المتحدة قد غزت أفغانستان، في أكتوبر/تشرين الأول 2001، بعد رفض حركة طالبان- التي كانت تحكم البلاد- تسليم أسامه بن لادن وباقي قيادات تنظيم القاعدة، الذي تبنّى الهجمات التي تعرضت لها أمريكا يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، وأدت لمقتل نحو 3 آلاف شخص.
وما بين الغزو والانسحاب سالت أنهار من دماء العسكريين والمدنيين من الجانبين، ونزح الملايين من بيوتهم المدمرة، وأُهدرت مليارات الدولارات، لتأتي لحظة النهاية الحزينة للأمريكيين، والسعيدة لعدوهم (حركة طالبان)، بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ليُسدل الستار على أطول الحروب الأمريكية وأكثرها مرارة وفشلاً.
بايدن يلوم الجيش الأفغاني وترامب
يواجه بايدن انتقادات عنيفة من جمهوريين وديمقراطيين أيضاً، عبّروا عن خيبة أملهم بعد السقوط السريع لأفغانستان في يد طالبان مرة أخرى، وبسبب ما وصفوه بأنه إخفاق ذريع في عمليات الانسحاب والإجلاء.
ومن المتوقع أن يستغل جمهوريون الأزمة لمحاولة إخراج سياسة بايدن التشريعية وأجندته عن مسارها وكنقطة للتركيز عليها أثناء انتخابات التجديد النصفي التي تجرى العام المقبل. ويأمل الجمهوريون في انتزاع السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب من يد الديمقراطيين، ما قد يضع عراقيل أمام النصف الثاني من ولاية بايدن الرئاسية.
ولم يكن هذا غائباً عن بايدن الذي رفض تلك الانتقادات، وألقى باللوم بشكل مباشر على عجز الحكومة الأفغانية المنهارة عن التصدي لتقدم طالبان الخاطف، ما أجبر الولايات المتحدة وشركاءها في حلف شمال الأطلسي على الخروج بطريقة سريعة ومهينة، كما انتقد أيضاً الدور الذي لعبه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وقال بايدن إن الاتفاق الذي تم بوساطة ترامب سمح “بإطلاق سراح 5000 سجين العام الماضي، ومنهم بعض كبار قادة الحرب في طالبان الذين تولوا السلطة”، وأضاف “وبحلول الوقت الذي توليت فيه المنصب كانت طالبان في أقوى موقف عسكري منذ عام 2001 فكانت تسيطر أو تنافس للسيطرة على قرابة نصف البلاد”.
وقال بايدن إن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن ما يتراوح بين مئة و200 أمريكي ما زالوا في أفغانستان “ولديهم بعض النية للرحيل”. وأشار أن معظم من بقوا يحملون جنسية مزدوجة ويعيشون في أفغانستان منذ وقت طويل وقرروا البقاء، مضيفاً أن الولايات المتحدة كانت عازمة على إخراجهم.
وكان كثير من المشرّعين قد دعوا بايدن إلى تمديد مهلة الإجلاء للسماح للمزيد من الأمريكيين والأفغان بالمغادرة، لكن الرئيس قال إن المهلة ليست “تعسفية”، لكنها تهدف إلى “إنقاذ الأرواح”. وقال “أتحمل مسؤولية القرار. يقول البعض الآن إن عملية الإجلاء الجماعي كان ينبغي أن تبدأ قبل ذلك، وإن الأمر كان من الممكن أن يتم بطريقة أكثر تنظيماً. أختلف مع هذا الرأي”، مضيفاً أن الراغبين في الرحيل كانوا سيهرعون إلى المطار حتى لو كان الإجلاء قد بدأ في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز.
هل يُفلت بايدن من كابوس أفغانستان؟
وفي جزء آخر من خطابه تغيرت نبرة صوت الرئيس الأمريكي وعلا صوته بشكل لافت، عندما توعد تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان (“داعش- خراسان)، حيث قال بايدن إن بلاده “ستلاحق الإرهاب حيث هو اليوم، وليس حيث كان قبل عقدين”، مضيفاً: “بالنسبة لتنظيم داعش خراسان لم ننتهِ معكم بعد”.
وتعهّد بايدن باتباع استراتيجية “صارمة لا ترحم، ودقيقة”، للرد على الهجوم المزدوج لـ”داعش- خراسان”، الذي استهدف محيط مطار العاصمة الأفغانية كابول، الخميس 26 أغسطس/آب، وأودى بحياة العشرات بينهم 13 جندياً أمريكياً. ورأى أن “التهديد الإرهابي انتشر من أفغانستان إلى جميع أنحاء العالم”، مضيفاً: “التهديد من الإرهاب مستمر، لكنه تغير، ويجب تغيير استراتيجيتنا أيضاً”.
واعتبر كثير من المراقبين والمحللين الأمريكيين أن الرئيس سعى من خلال الخطاب إجمالاً، ومن الرسالة الصارمة بشأن ملاحقة تنظيم داعش-خراسان، إلى محاولة التغطية على الانتقادات الموجهة له ولإدارته بالضعف والرضوخ أمام طالبان تحديداً، بشأن ما يتعلق بتمديد مهلة الإجلاء.
وفي الوقت نفسه أراد بايدن أن يحول التركيز الإعلامي من الانسحاب الفوضوي ومرارة الهزيمة في أفغانستان إلى أجندته المحلية الساعية إلى محاصرة الموجة الجديدة من وباء كورونا، رغم حملة اللقاحات المكثفة، التي يبدو أن متحور دلتا يتغلب عليها، وإلى إعادة تنشيط الاقتصاد الأمريكي الراكد بفعل الجائحة، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
لكن الواضح أن أفغانستان ستظل تطارد بايدن، على الأقل حتى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل، بحسب تقرير آخر لشبكة CNN عنوانه “بايدن يركز على إعادة البناء، لكن التهديدات السياسية التي تركها في أفغانستان قد تعود لمطاردته”.
فالانسحاب الفوضوي وغير المكتمل بسبب وجود أمريكيين ما زالوا عالقين في أفغانستان يمثل كابوساً قد يتفجر مرة أخرى في أي لحظة، بحسب منتقدي بايدن، إضافة بالطبع إلى عشرات الآلاف من الأفغان الذين كانوا يعملون مع القوات الأمريكية على مدى 20 عاماً.
صحيح أن بايدن شدّد في خطابه على أنه بالرغم من الانسحاب من أفغانستان فإن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان وفاء “طالبان” بالتزاماتها، بما في ذلك توفير ممر آمن لأولئك الذين يريدون مغادرة البلاد، مضيفاً: “لا نأخذهم (طالبان) بكلامهم، لكن من خلال أفعالهم، ولدينا نفوذ للتأكد من الوفاء بهذه الالتزامات”.
وفي هذه النقطة تحديداً استخدم بايدن وزير خارجيته أنتوني بلينكن كدرع واقٍ، تحسباً لحدوث أي تطورات سلبية في هذا الملف الحساس بالنسبة للداخل الأمريكي، عندما قال إن بلينكن “يقود جهوداً دبلوماسية متواصلة لضمان تأمين خروج أي أمريكي أو شريك أفغاني أو مواطن أجنبي يريد مغادرة أفغانستان”.
كما أشرك بايدن المجتمع الدولي في المعادلة بقوله إنه (المجتمع الدولي) سيحاسب قادة طالبان على الالتزام بتنفيذ تعهدهم بالسماح بحرية السفر. وأضاف “قدمت طالبان تعهدات علنية، تم بثها على التلفزيون والإذاعة في جميع أنحاء أفغانستان، بشأن تأمين خروج أي شخص يريد المغادرة، بما في ذلك أولئك الذين عملوا جنباً إلى جنب مع الأمريكيين”.
وأظهر استطلاع رأي لرويترز/إبسوس، الإثنين 30 أغسطس/آب، أن أقل من 40% من الأمريكيين يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الانسحاب، وأن ثلاثة أرباعهم كانوا يرغبون في بقاء القوات الأمريكية في البلاد حتى خروج جميع المدنيين الأمريكيين.
الخلاصة هنا أن بايدن أراد أن يرسم صورة ختامية عن الحرب في أفغانستان، عنوانها “أمريكا انتصرت”، على غرار عبارته الشهيرة “أمريكا عادت” (لقيادة العالم) عندما تولى منصبه رسمياً، أما مدى نجاحه- داخلياً بالطبع- في ترسيخ تلك الصورة في أذهان الأمريكيين فسيظل أمراً تحكمه اعتبارات كثيرة، أغلبها مازال داخل أفغانستان نفسها.