جريدة لندنية: التلويح بالسلاح من جانب فلول البشير سيفتح أبواب جهنم على السودان
رصد اثير نيوز
تتداول شريحة من السودانيين كلاما بدأ يأخذ حيّزا كبيرا في مناقشات النخبة مؤخرا يتعلق بأن بلدهم يسير على الطريق المصري الذي رسم معالمه الجيش وحصل على تأييد فئة عريضة من المصريين أسهمت في نجاح ثورة 30 يونيو التي حلت ذكراها الثامنة الاربعاء وترتيب أوضاع البلاد بما سمح بتولي وزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي منصب رئيس الجمهورية. تزايد الحديث حول المضي في السيناريو المصري بما يقود في النهاية إلى تولي رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان دفة الحكم. ويرتفع الحوار حول هذا الطرح كلما اقتربت الخرطوم من القاهرة على قاعدة من التفاهمات الإقليمية.
وقد سارعت السلطة في استهداف فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير التي تحتمي وراء ما تبقى من هياكل سرية لكل من حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية التي ارتفع صوتها مؤخرا، بما يعيد للأذهان مناوشات مثيلتها في مصر مع الحزب الحاكم سابقا واشتباكاتها مع جماعة الإخوان.
لم يردد المسؤولون أن السودان غير مصر كما ردّد نظراؤهم في القاهرة عند اندلاع الثورة التونسية قبل أكثر من عشر سنوات، حيث شاع في الأدبيات الرسمية في ذلك الوقت أن مصر غير تونس كدليل على أنها لن تلحق بها احتجاجات مثل تونس. تكرر سيناريو الثورة في مصر بصورة قريبة مما جرى في تونس وفاقه في درجة العنف، واختلفت النتائج في المحصلة النهائية، حيث استفاد كل طرف من تجربة الآخر بما يتناسب مع تركيبته السياسية والاجتماعية، حيث صعد نجم جماعة الإخوان في تونس، ولا يزال، بينما انطفأ في مصر، ولا يزال.
تدفقت مياه سياسية كثيرة في البلدين، بما يجعل التجربة السودانية، بعد أن دخلت حزام الثورات العربية متأخرة، متباينة عن مصر، فلكل بلد خصوصية تلعب دورا في التأثير على المشهد السياسي العام، وهي التي فرضت على المؤسسة العسكرية في مصر أن تصبح تفاعلاتها مقبولة من المواطنين ويتزايد نفوذها، في حين من المرجح ألا يحدث ذلك في السودان الذي يتجنب إعادة إنتاج النموذج المصري.
يتعامل قطاع من السودانيين وفق العرب اللندنية مع استبعاد فرضية التشابه بقدر كبير من القلق، فالتحركات التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في البلاد تثير الشكوك، والمتاجرة بفلول البشير تضخّمت بما يوحي بأنهم على أبواب السلطة، ما يدغدغ مشاعر الناس ويهيّئ الأجواء لتدخلات خشنة من جانب الجيش بذريعة منع عودة الحركة الإسلامية للحكم. كان ترديد اسم الفلول والإخوان وحزب المؤتمر الوطني في السودان يكفي في وقت سابق للاصطفاف خلف المؤسسة العسكرية، لكن اليوم ومع اقتراب بعض القوى السياسية منهم فقدت هذه الورقة جزءا كبيرا من حيويتها، فهناك أحزاب تتحالف مع الإخوان ضمنيا وأخرى لا تنكر استعدادها لقبول مشاركة الأحزاب ذات الميول الإسلامية في السلطة إذا جاءت عن طريق الانتخابات. يموج السودان بتطورات متناقضة قد لا يفلح معها استدعاء عدو الشعب الأول المتمثل في أتباع الحركة الإسلامية بأطيافها ومشاربها المختلفة، وهي القضية التي أسهمت في تمكين قائد عسكري مصري من الوصول إلى السلطة، فقد خيّم شبح العنف على البلاد ولم يجد غالبية المواطنين مفرا سوى الاحتماء بالجيش لمواجهة الإخوان.
المشكلة أن ظهور سلاح العنف أو التلويح به من جانب فلول البشير يمكن أن يفتح أبواب جهّنم على السودان، لأنه يموج بميليشيات ربما تكون خاملة الآن، لكن قد تخرج من قمقمها في أي لحظة لأن لها صفة رسمية، وهي قوات شعبية بخلفيات عسكرية تشكلت في عهد البشير لحماية نظامه.
ظهور عنف محدود في الشارع سيتطور ويدخل السودان في عنف شامل بسبب كثافة السلاح في يد المواطنين والحركات المنحدرة من أقاليم مختلفة وحملت السلاح سنوات طويلة، والتي تبدو عملية الترتيبات الأمنية بينها وبين المؤسسة العسكرية النظامية متعثرة.
يعتقد البعض أن الجيش السوداني ربما يقوم بانقلاب عسكري أو يعمل على هندسة البيئة السياسية بشكل يخرج قائدا منه يتولى حكم البلاد ضمن مشهد انتخابي يتشابه مع ما حدث في مصر منذ سبعة أعوام، لكنّ آخرين يستبعدون ذلك بحكم مساحة الديمقراطية المرتفعة في السودان وقوة أحزابه السياسية وروافدها في الشارع ووعي نخبه بخطورة الانزلاق في هذا الطريق.
كما أن السودان يحظى باهتمام كبير من قبل المجتمع الدولي الذي تعمل العديد من قواه على كبح جماح أي تفكير لدى المؤسسة العسكرية في السيطرة على مفاتيح الحكم، فلن تتقبل بعض القوى الدولية رؤية نظامين متقاربين في كل من مصر والسودان ينحدران من أصول عسكرية.