تزامنا مع مليونية 30 يونيو.. الشرطة السودانية تقرع جرسا يصعب تجاهله
وكالات اثير نيوز
لم ينتبه كثيرون لدعوات إضراب الشرطة السودانية في 30 يونيو/حزيران واعتبروها جزءا من شائعات منصات التواصل الاجتماعي، لكن احتجاجات عناصر للشرطة في وجه وزير الداخلية أمس الاثنين قرع جرسا يصعب تجاهله.
ولوّح المحتجون بعدم تأمين مليونية 30 يونيو/حزيران المتوقعة غدا الأربعاء، في أول خروج لدعوات الإضراب في هذا اليوم للمطالبة بتحسين أوضاع رجال الشرطة.
وفتحت سابقة احتجاجات الشرطة الباب على مصراعيه لعودة مطالب إصلاح جهاز الشرطة وفق ما حددته الوثيقة الدستورية وإزالة حالة الالتباس في تبعيتها بين مجلسي الوزراء والسيادة.
وعانت الشرطة السودانية من قطيعة بينها والشارع بعد الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير لدورها في قمع الاحتجاجات ضد النظام السابق، شأنها شأن بقية القوات النظامية.
تحدي 30 يونيو
وتبدو قرارات وتصرفات الحكومة الانتقالية الأيام الماضية أقرب لكبح جماح مليونية الغد، في ظل تضارب أجندات دعاتها ما بين إسقاط الحكومة وتصحيح المسار.
وضمن هذه المواقف جاء لقاء وزير الداخلية الفريق أول عز الدين الشيخ قوات الشرطة بساحة الحرية بالخرطوم أمس الاثنين، حيث شهد تقديم عروض لعدد من إدارات الشرطة وطابور استعراض الآليات لإظهار الجهوزية لتأمين وحماية البلاد.
وأظهرت مقاطع فيديو هتافات مناوئة من عناصر شرطية لوزير الداخلية أثناء مخاطبة قواته على شاكلة “نحن لا نريدك” و”يوم 30 لن نأتيك”، في إشارة إلى عدم تأمينهم احتجاجات أعلنت لجان مقاومة عن تنظيمها في 30 يونيو/حزيران
وأثناء ذلك كان بعض أفراد الشرطة يتسللون من ساحة العرض وهو ما يرقى للتمرد من قبل قوات نظامية على الدولة.
مقارنة حاضرة
وربط نشطاء في منصات التواصل الاجتماعي بين تهديد عناصر الشرطة السودانية بعدم النزول للشوارع لتأمين مليونية الغد وبين إضراب للشرطة المصرية في عام 2013 في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
وحينها رفض محتجون من الشرطة المصرية التعامل مع المظاهرات وطالبوا بزيادة التسليح بعد سقوط ضحايا من صفوف الشرطة.
ويطالب المحتجون في الشرطة السودانية بتحسين أوضاعهم المعيشية ومراجعة الحصانات، كما صدرت خلال الاحتجاج أمام وزير الداخلية أصوات تنتقد سقوط قتلى من الشرطة كما حدث في موكب 3 يونيو/حزيران الماضي في ذكرى فض الاعتصام.
لكن الضابط المتقاعد عمر عثمان الذي يعمل ضمن آخرين في مساعي لإصلاح الشرطة يقول للجزيرة نت، إنه لا يمكن مقارنة ما حدث في مصر واحتجاجات الشرطة بالخرطوم أمس.
وتابع “ما حدث في عهد مرسي بمصر كان حركة واسعة وما حدث بالخرطوم أمس كان تصرفا محدودا. فورة غضب بلا ذيول أو تبعات”.
وتوقع أن تعمل الشرطة بفعالية واسعة وكفاءة كبيرة خلال مليونية الغد لأن الشرطة السودانية تختلف عن الشرطة المصرية، بحسب تعبيره.
لجنة تقصٍّ
واضطر اجتماع مساء أمس لهيئتي الإدارة والقيادة بالشرطة برئاسة وزير الداخلية ومدير عام الشرطة الفريق أول خالد مهدي ونائب المدير، المفتش العام، الفريق الصادق علي إبراهيم لمناقشة احتجاجات الشرطة في ساحة الحرية.
وبحسب تصريح للمتحدث باسم الشرطة اللواء عمر عبد الماجد فإن الاجتماع ناقش “مظاهر عدم الانضباط الشرطي من مجموعة محدودة ومحددة خلال العرض الشرطي وتم التعامل مع هذا الحدث المعزول وفقا لنظم الشرطة المعروفة”.
وبحسب ضابط الشرطة المتقاعد عمر عثمان فإن ما حدث يتطلب تشكيل لجنة تقصي حقائق لتصحيح المسار لأن هذه الحادثة لا يمكن أن تمر مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث.
ويعتبر اللواء (شرطة) المتقاعد الدكتور عز الدين عبد المحمود ما حدث في ساحة الحرية مؤامرة أكثر منه عدم ضبط وربط، القصد منه تغيير قيادة الداخلية والشرطة وهو أمر معيب لأنه حدث بشكل متكرر بعد الثورة.
ويقر بأن رواتب الشرطة ضعيفة لكن ذلك ليس مبررا للخروج على الانضباط والتراتبية، وزاد “سبق أن خدمنا في الشرطة ولم تكن الرواتب كافية لكن (لا) نتمرد، ما حدث مؤامرة تستهدف وزير الداخلية ومدير الشرطة”.
الشرطة والدستور
بحسب اللواء عبد المحمود فإن ثمة مشكلة لوضعية الشرطة في الوثيقة الدستورية، فمثلا المادة 64 التي عرفت الشرطة تبعيتها لمجلس الوزراء على أن يحدد قانون الشرطة علاقتها مع مجلس السيادة.
ويوضح أن قانون الشرطة بكل عيوبه من العهد البائد لم يعدل بعد، كما أن ترك أمور معلقة في الدساتير يعد عيبا يتيح الكثير من الثغرات.
وهنا يشير عثمان إلى أن مواد الوثيقة الدستورية ومصفوفة الإصلاحات في أبريل/نيسان 2020 نصت على إصلاح الشرطة ضمن إصلاحات واسعة ينبغي أن تطال كل المؤسسات المدنية والعسكرية.
ويؤكد أن وضعية الشرطة في الوثيقة الدستورية مبهمة ومربكة فهي تتبع للجهاز التنفيذي وفي الوقت نفسه تخضع للمجلس ما يجعلها متنازعة بين المجلسين.
وتابع “لقد قدمت مشاريع لم تر النور وضاعت في الأضابير عن طريق مجلس الوزراء وقوى الحرية والتغيير، لكن وزارة الداخلية لم تقدم رؤيتها بعد”.
أوضاع الشرطة
ويعترف اللواء عبد المحمود بأن الشرطة تحتاج لإنصاف في الرواتب كمكافأة نهاية الخدمة لأنها مهملة منذ العهد السابق.
ونبه إلى أن رواتب جنود الشرطة بين 10 و12 ألف جنيه (22ـ26 دولارا)، وهو راتب لا يكفي تكلفة المواصلات في الشهر، ناهيك عن تكلفة الصرف على أسرة الشرطي.
ويذكر عثمان أنه لا بد من إعادة النظر في رواتب وتعويضات قوات الشرطة لجعل هذه المهنة جاذبة ووقف نزيف الاستقالات من مهنة تتطلب دواما لـ24 ساعة والتعرض للمخاطر في ظل بيئة عمل متردية.
وكان وزير الداخلية قد أعلن أمام قوات الشرطة عن زيادة في الرواتب سيعلنها مديرو الإدارات أمام قواتهم، وبعد ذلك خيّر المحتجين بين العمل وفقا للأوضاع الجديدة أو “الاستقالة بكل احترام”.
تحسين أوضاع
ولإصلاح جهاز الشرطة يطالب الضابط المتقاعد عثمان بإنفاذ توصيات اللجنة 312 التي يعمل ضمن طاقمها، اسمها مستمد من رقم قرار وزاري صدر بخصوص مفصولي الشرطة.
ويوضح أن اللجنة حددت 3 خيارات للضباط المفصولين تعسفيا: إما الإعادة للخدمة أو التعويض أو إنصافهم بخيارات تشمل الاعتذار أو منحهم شهادة خدمة مثلا.
ويضيف أن اللجنة استهدفت أكثر من ألفي ضابط مفصول أبدى أكثر من 700 ضابط منهم الرغبة في العودة التي وضعت اللجنة لها معايير مثل عدم تجاوز أقدمية مدير الشرطة وعدم الإدانة بجريمة أو بتقارير إدارية غير مرضية.
وبشأن الحصانة يؤكد اللواء المتقاعد عبد المحمود أن القانون نص عليها لكن المشكلة تكمن في النيابة التي يمكن أن تفتح بلاغا بالقتل العمد ضد شرطي تعامل مع لص مسلح حاول تهديد سلامته أو سلامة مواطنين.
ويدعو لتحسين أوضاع جنود وضباط الشرطة المعيشية وتأهيلهم بالتدريب وإعادة الضبط والربط عبر عودة محاكم الشرطة وتفعيل الشؤون القانونية والمباحث المركزية بالشرطة التي “نزعت أسنانها وتحولت لنمر من ورق”.
وفي محاولة لتخفيف الاحتقان صادق والي الخرطوم مساء أمس على حافز لعيد الأضحى لكافة قوات شرطة الولاية يصرف فورا.