“كوفيد” يعيد تقييم مستويات التنمية بالعالم والإمارات تجتاز الاختبار بامتياز

 أظهرت جائحة كوفيد مدى تأثير المسار التنموي لكل دولة في قدرتها على التعامل مع الجائحة، لتتحول الأزمة التي يشهدها العالم إلى ما يشبه الاختبار الحقيقي لمستويات التنمية والكفاءة الحكومية في مختلف الأصعدة، خصوصا بعد أن تحول الوباء من أزمة صحية إلى تحد اجتماعي واقتصادي وثقافي بالغ الخطورة.

ونجحت الإمارات في الاستفادة من مسارها التنموي الممتد لـ50 عاماً بامتياز، حيث شكل تعاملها مع الأزمة وقدرتها على ضبط مبدأ التوازن بين مكافحة انتشار الوباء واستمرارية الحياة في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية أحد أبرز النماذج نجاحاً على المستوى العالمي، وذلك وفقاً للعديد من المؤشرات التي رصدتها كبريات المؤسسات العالمية المعنية كالكتاب السنوي للتنافسية العالمية، ومؤشر الرفاهية، والمؤشر العالمي لتنافسية المواهب.

ووفقا للمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء فقد حققت الإمارات قفزات كبيرة في 10 مؤشرات في التنافسية العالمية في قطاع الصحة ووقاية المجتمع، خلال العام الماضي، مقارنة بعام 2019، فيما قفزت 31 مركزاً في مؤشر التحصن، لتحتل المرتبة الأولى عالمياً.

وحافظت الإمارات على مركزها الأول عالمياً في خمسة مؤشرات صحية رئيسة أخرى، هي مدى تغطية الرعاية الصحية، ووجود برامج وطنية للكشف المبكر، وتغطية الرعاية الصحية السابقة للولادة، والتحصن ضد الحصبة، وغياب الوفيات والإصابات نتيجة للكوارث الطبيعية، وجميعها وفقاً لمؤشر الرفاهية.

ويؤكد الدكتور عمر الحمادي استشاري الأمراض الباطنية أن الاستباقية والاتزان يعدان العاملان الأكثر تأثيراً في ملف التعامل الإماراتي مع الأزمة، مشيراً إلى أن التسارع الكبير في عمليات التقصي منذ بداية الأزمة ثم تسريع وتيرة التطعيم ضد الفيروس أسهمت في تحقيق السيناريو المنضبط لمسار الأزمة والذي لم يشهد على مدار أكثر من عام ونصف أي نوع من الاختلال أو الخروج عن السيطرة.

من جهته أكد الدكتور عادل سجواني أخصائي طب الأسرة على أن استشراف مستقبل الجائحة دفع الإمارات إلى التعامل بجدية تامة مع بداياتها، والتي يرى سجواني بأنها شكلت الوقت الأهم في تقييم تعامل الدول معها، حيث وصف انتشار الفيروس حينها بـ”الصامت” بالنظر إلى قلة ظهور الأعراض على أغلب المصابين وهو شكلا تحدياً بالنظر إلى إحتمالات توسيع نطاق العدوى ووصولها للحالات التي تعاني من أمراض مزمنة أو أوضاع صحية غير مستقرة.

وأضاف بأن خيار التعامل المبكر جنب المنظومة الصحية في الدولة من تكدس الحالات والضغط على القطاع الصحي وبالتالي خروج الأمور عن السيطرة، فقد أمنت مجانية الفحوصات في للعديد من الحالات وتوسيع شبكة مراكز المسح والبروتوكولات المرتبطة بها عملية ضبط مسار الأزمة، قبل أن تطبق الإمارات مبدأ الاستباقية في المرحلة التالية في التعاطي مع الأزمة والمتمثلة في برنامج التطعيم حيث تعد الإمارات من أولى الدول حول العالم في حجم الجرعات بالمقارنة بعدد السكان، بعد أن طبقت مجموعة من الإجراءات المتزنة التي تضمنت التجارب السريرية واعتماد اللقاحات المختلفة واتاحتها للجميع وبصورة منظمة وبحملة توعوية مؤثرة ضمنت من خلالها التجاوب المجتمعي .

وأكد سجواني على أن الإمارات استفادت من مسارها التنموي وحجم العمل المنجز في العديد من القطاعات الاستراتيجية ووظفت كل ذلك لخدمة منظومة التعامل مع الجائحة، وقد تجنبت الإمارات العديد من الإجراءات القاسية التي تم تطبيقها حول العالم كإجراءات الإغلاق التام وإجراءات تقييد الحركة، وما تحمله تلك الخطوات من تأثير بالغ في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.

وبالعودة إلى مدى استعداد مختلف المنظومات الصحية اللوجستي للأزمة، فإنه وبغض النظر عن مدى توقع حدوث أزمة بهذا الحجم، إلا أن مسار التنمية وتعزيز كفاءة القطاع الصحي في الإمارات أسهم في القدرة على التعامل بالشكل الأنسب مع كافة المتغيرات التي فرضتها الجائحة.

ووفقاً لتقرير رسمي فقد ركزت الإمارات وفق مؤشرات قياس واضحة وثابتة على تعزيز قطاعها الصحي طوال العقود الماضية، عبر  ترسيخ الجانب الوقائي وتخفيض معدل الأمراض المتعلقة بنمط الحياة كالسكري وأمراض القلب والسرطان لضمان حياة صحية وعمر مديد لسكانها وعملت على تقليل مستوى انتشار التدخين، وتطوير جاهزية النظام الصحي للتعامل مع الأوبئة والمخاطر الصحّية، لتكون الإمارات من أفضل الدول في جودة الرعاية الصحية.

ويتفرد مشهد القطاع الصحي في الإمارات لاعتبارات خاصة، حيث تعمل منظومة إداراية محلية تتبع للإمارات المحلية بشكل متناغم مع منظومة وزارة الصحة الاتحادية، وهو ما يرفع مستوى الخدمات ويعزز التنافسية ويعدد الخيارات ومستويات التعامل مع مختلف الأوضاع.

وفي إطار التخطيط الاستباقي فقد اعتمدت الأجندة الوطنية في الإمارات  10 مؤشرات قياس لضمان متابعة تنفيذ الأجندة شملت عدد وفيات أمراض القلب والشرايين لكل 100 ألف من السكان، ونسبة المصابين بالسكري، نسبة الأطفال الذين يعانون من السمنة، ومتوسط العمر الصحي المتوقع، مستوى انتشار التدخين، وعدد وفيات أمراض السرطان، ونسبة المنشآت الصحية المستوفية لمعايير الاعتماد، ومؤشر جودة الرعاية الصحية، وعدد الأطباء الممارسين لكل 1000 من السكان، إضافة إلى عدد الممرضين والممرضات الممارسين.

وتعبر الميزانيات الضخمة التي ترصدها الإمارات للقطاع الصحي المكانة المراد لهذا القطاع أن يحتها، ففي سبتمبر من العام  2018، اعتمد مجلس الوزراء الميزانية الاتحادية لعام 2019 بقيمة 60.3 مليار درهم. وقد تم تخصيص 4.40 مليار درهم للإنفاق على قطاع الرعاية الصحية.

وتشجع الاستراتيجية الابتكار في مجالات تقديم خدمات صحية وعلاجية باستخدام التكنولوجيا المتقدمة، وتشجع تطوير الصناعات الدوائية والتقنية الحيوية، إضافة للعمل مع الشركاء الاستراتيجيين على تنمية قطاع الأبحاث الطبية لعلاج الأمراض السائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *