خبر وتحليل عمار العركي : ذهب علي،وجاء علي وذهب: الخارجية … لا جديد يُذكر ومقالات قديمة تُعاد

■ *_في مقالات سابقة_* ، ناقشنا مراراً جذور الأزمة المزمنة في إدارة علاقات السودان الخارجية، تلك التي تُدار بفقه العلاقات العامة للمؤسسات السيادية، أو وفق مزاجيات شخصيات نافذة في السلطة، أو استجابة لتقديرات تخص مصلحة النظام السياسي الحاكم، خصماً على ولاية وزارة الخارجية، صاحبة الحق الدستوري والمهنية والمؤسسية في تمثيل الدولة. أزمة عبّر عنها وصوّرها التصوير المستحق السيد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، حين وصف الحالة بدقة قائلاً:
“العلاقات السودانية الخارجية تُدار رزق اليوم باليوم”.
■ *_الأزمة ليست في الأفراد.. بل في غياب الرؤية_ :* تداول ستة وزراء خلال ست سنوات – لم يُكمل أيٌ منهم عاماً كاملاً سوى وزير واحد – يكشف عن أزمة بنيوية عميقة، لا تتعلق بالكفاءات، بل بغياب الرؤية الاستراتيجية. فالوزارة لا تعمل ضمن خطة واضحة، ولا تملك استراتيجية طويلة المدى، وإنما تُساق وفق مصالح ظرفية، أو قرارات فوقية، أو رغبات مؤسسات نافذة، تُحكم قبضتها على مفاصل القرار الخارجي بلا تنسيق ولا مسؤولية وطنية شاملة.
■ *_النموذج الإريتري_ :* فالعلاقات معها أزمة مُصغّرة تعكس المعضلة الكلية تُعد العلاقات السودانية الإريترية نموذجاً مكثفاً لطبيعة إدارة العلاقات الخارجية في السودان. فمنذ الاستقلال وحتى اليوم، تُدار هذه العلاقة بذات فقه “الظنون والشخصنة”، فتارة تُترك لمزاجية الأمن ، وتارة تُدار عبر محاور إقليمية، وتارة أخرى تُهمل أو تُستفز بتصريحات انفعالية، والمزاجية الشخصية ، وضربنا العديد من أمثلة الفشل الشخصي ،في كل مرة كانت تغيب الاستراتيجية وتبرز الارتجالية. والنتيجة: علاقة ظلت في حالة تأرجح بين القطيعة والتطبيع دون سند مؤسسي أو رؤية متماسكة خصماً على مصالح البلاد والعباد .
■ *_الدبلوماسية السودانية.. بين تشظي الإدارة وازدواج المرجعيات_* : ما يُعمق أزمة الخارجية أن القرار الدبلوماسي لا يُصنع داخل الوزارة. بل هناك دبلوماسية موازية تُمارس من مؤسسات أخرى ، وأحياناً من شخصيات نافذة، دون تنسيق، مما يخلق ازدواجية في المواقف وتضارباً في السياسات. فالعلاقة مع دول الإقليم مثلاً تُبنى أحياناً على مصالح الأجهزة، لا على تقدير المصالح القومية، والعلاقات الدولية الكبرى تُدار بمبدأ “رد الجميل أو تصفية الحساب”، لا وفق أولويات الدولة ولا متطلبات المرحلة، أو التوافق على آلية قيادية مشتركة ، تتوصل لرؤية وخطة استراتيجية موحدة تحت ولاية سيادية ورعاية تنفيذية مباشرة من الوزارة.
■ *_هكذا ضاعت فرص وأُهدرت علاقات_ :* من العلاقات مع مصر، مروراً بإثيوبيا ، جنوب السودان ، وصولاً إلى روسيا والصين ودول الخليج، لم تكن لوزارة الخارجية اليد الطولى ولا الصوت الأعلى. ملفات هامة مثل ملف سد النهضة، التطبيع، الإرهاب البترول ، الهجرة ،الحدود علاقة السودان مع موسكو أو واشنطن، غالباً ما تُدار خارج أسوار الوزارة، فتُختزل في زيارات، أو لقاءات مغلقة، أو تفاهمات غير معلنة.
■ *_لا يُعقل أن تُدار السياسة الخارجية بعقلية اللا تخطيط_* : فالدول التي تحترم نفسها، تُحدد خطوطها الحمراء، وتُبلور أهدافها، وتبني شراكاتها الخارجية ضمن تصور استراتيجي واضح. أما السودان، فلا تزال سياساته الخارجية خاضعة لحسابات الداخل، ومُكبلة بتقلبات السياسة المحلية، ومُقيدة بمراكز نفوذ تتجاوز الوزارة، وتُعيد إنتاج ذات الأزمة المتوارثة والمُرحلة منذ عقود.
■ *_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
* ذهب علي الصادق، وجاء علي يوسف وذهب، وسيذهب من يحل محله بذات الكيفية، هكذا دواليك… ولكن الشاهد في الأمر، ثبات السودان في موقع الخاسر الأكبر؛ ضحية لسوء التخطيط، ومسرحاً لصراعات وتشاكسات لا ترتقي لمستوى التحديات والمهددات.وللأسف، لم ترعَ هذه السياسات كل الدروس والعبر، بل تجاهلتها، ومن لم تعظه 15 أبريل، فلا واعظ له إلا الموت… لكن بعد فوات الأوان، وليس في كل مرة تسلم الجرة.
* اللهم بلغت، اللهم فأشهد.