مشهد جديد .. عبدالسميع العمراني : منقستو هيلا ماريام الشايقي الذي حكم إثيوبيا بالحديد والنار.!!

برغم من العداوة الظاهر محياها في تصرفات الرئيس الأسبق لإثيوبيا (منقستو هيلا ماريام) تجاه السودان ، وكان نتاجها تلك الخصومة لأكثر من عقد من الزمان طوال عهد الرئيس الأسبق للسودان المشير جعفر نميري واستمرت خلال حكم الصادق المهدي وصولا الي البشير ، وبعض المقربون من الرجل يقولون ان منقستو كان يعشق السودان ويحمل مودة خاصة له ، وكأن هنالك شيء ما خفيا كان يربطه بالجارة الغربية لدولته وشعبها الأكثر قربا لشعبه وهي (السودان) ، حيث النيل العظيم والموارد المشتركة وأشياء اخري كثيرة بينهما .
انتمي منقستو الي المعسكر الاشتراكي الماركسي الشرقي ، في حين اختار جعفر النميري المعسكر الغربي وامريكا ، فكان الفراق سريعا ، إذ احتضن كل منهما المعارضة المسلحة للآخر فاشتد اوار العداوة بينهما .
وكما هو معلوم أن نجم منقستو هيلا ماريام قد سطع في عالم السياسة في إثيوبيا أواخر عهد الأمبراطور العجوز هيلاسيلاسي ، ففي منتصف صيف 1974 م خرجت الي العلن مجموعة من الضباط الشبان ممن يتمتعون بقدر من الذكاء والطموحات الخاصة ، لانهم كانوا أصحاب دراية وخبرة حول مالات الاوضاع في إثيوبيا ، وبالفعل بدأت تلك المجموعة بالتحرك للتفاوض مع الأمبراطور وإقناعه بالتنحي عن الحكم سلمياً وتسليم السلطة ، وقاد تلك المجموعة الجنرال امان عندوم في حين قاد المفاوضات الكولونيل منقستو هايلي ماريام ، وهو عسكري صارم الملامح ، ولم يكن احداً يدري بإثيوبيا كيف ان ذلك الضابط غير المعروف تاريخه والي اي اسرة ينتمي !! ، قد نال الترقيات بالجيش الأمبراطوري وصعد بشكل مفاجيء ليكون علي رأس الضباط الغاضبين من أجل إثيوبيا ، والعديد من الروايات تشير الي أن منقستو هايلي ماريام غير معروف نسب والده والي اي أسرة امهرية ينتمي؟ .
ولكن تتحدث روايات سودانية عن أن والده من شمال السودان ووالدته امهرية تدعي (مريم) ، إذ نشرت صحيفة الوطن حوارا مع أسرة سودانية تنتمي لمنطقة الدهاسير بالشمالية ، إذ أكد جميع أفراد الأسرة ان والدهم احمد حسن محاري قد أكد لهم ان منقستو هيلا ماريام ابنه من زوجته الإثيوبية مريم ، واكد الحديث موقع النيلين السوداني الذي نشر مقابلة بتاريخ 13 مايو 2013 م نقلا عن صحيفة الدار مع سيدة سودانية تدعي (امال) ، إذ ذكرت السيدة التي تنتمي لقبيلة الشايقية ، أن اسمها الكامل هو امال حسن أحمد محاري ، وتقول ان والد الرئيس الإثيوبي الأسبق هو عمها أحمد حسن أحمد محاري ، وهو شقيق والدها مباشرة وكان قد هاجر من الخرطوم الي إثيوبيا خلال عقد اربعينيات القرن الماضي وتزوج بمريم والتي عملت كخادمة بالقصر الأمبراطوري بعد مغادرة زوجها السوداني الي كسلا ومنها عاد الي اهله في الشمالية بعد أن ترك لها طفلا صغيرا ، وتضيف السيدة امال بالقول أن الرئيس منقستو كان قد زار الخرطوم في العام 1982م ، وارسل مندوبا الي مروي للسؤال عن أسرة محاري والبحث عن والده احمد حسن وذلك بعد أن افادته والدته (مريم) بمعلومات عن اصل والده السوداني ، وتضيف بالقول انه لسوء الحظ حينما وصل المندوب من الرئيس منقستو والذي عاد الي أديس أبابا ، كان المندوب قد وجد ان والد منقستو يحتضر فلم يستطع ابلاغ الرسالة له ، أن الرئيس منقستو ، وكان منقستو في زيارة للخرطوم خلال مؤتمر جمعه مع الرئيس جعفر نميري قبل أن تتوتر العلاقات بينهما في العام 1983 م ، بعد نشوب التمرد بجنوب السودان وتأييد و مساندة منقستو له ٍ
ومعروف لدي الاثيوبيين ان والدة منقستو هايلي ماريام كانت خادمة بالقصر الأمبراطوري وتربي الفتي في أحد جنبات القصر الملكي ، ولكن بعد أن أصبح الرجل الأول في أثيوبيا ، لم يكن احد وقتها يجروء علي الحديث عن والده او تاريخ أسرته ، ولم يظهر له أقارب من جهة الاب ولقب هيلا ماريام نسبة الي والدته بسبب عدم وجود مستندات عن والده واصله او ان يكون منقستو قد اخفاها عن عمد ، لذلك تبقي رواية السيدة السودانية امال ربما هي الأرجح ، خاصة وان ملامح وجه الرئيس منقستو تشبه الي حد كبير ملامح الشايقية من ذوي البشرة السمراء ، وقد تمتع منقستو بنفوذ واسع داخل الجيش بسبب حبه لعمله واخلاصه للعسكرية وقد أكتسب هيبة كبيرة في أوساط الجيش بسبب انضباطه الصارم وشخصيته القوية ، و لكن كان يعاب عليه الحماقة والغضب السريع والإنفعال الذي يقوده لإتخاذ قرارات جنونية و وخاصة القسوة الشديدة التخلص من معارضيه بدم بارد .
وبنهاية أغسطس 1974م اعلنت اللجنة العسكرية المكونة من عدد (120) ضابطاً تأميم قصور الأمبراطور وعددها (15) قصراً بجانب تأميم كافة المؤسسات الإستثمارية التابعة للأمبراطور منها شركة مياه أمبو .
وظل الضباط يزورون الأمبراطور بين الحين والأخر في محاولات لإقناعه بقبول التنحي وتسليم الحكم لمجلس عسكري ، وخلال المفاوضات طلبوا منه الكشف عن حقيقة أمواله وثروته التي يتحدث عنها الشعب الإثيوبي ، وفي صبيحة الثاني عشر من سبتمبر 1974 م سمع سكان اديس ابابا هدير الدبابات والمجنزرات وناقلات الجنود وهي تجوب طرقات العاصمة اديس ابابا ، ودخل ثلاثة من الضباط الي مسكن الأمبراطور هيلاسيلاسي ، وبعد ان القوا عليه بالتحية قاموا بتلاوة قرار خلعه من الحكم ، وبعدها تمت اذاعة البيان الإنقلابي علي الإذاعة الإثيوبية ، ونشرته صحف اليوم التالي ويقول البيان ( إن الشعب الإثيوبي قد إعتبر العرش الإثيوبي روحاً للوحدة ولكن هيلاسيلاسي قد إستغل السلطة والمكانة ولم يحافظ علي الأمانة ، بل وظف تلك الثقة في أغراض خاصة ، ونتيجة لذلك وجدت البلاد نفسها في حالة فقر ، ولأن الأمبراطور يبلغ من العمر (82) عاما فإنه وبحكم السن المتقدمة يظل عاجزاً عن القيام بمسئولياته، لذلك تقرر خلع هيلاسيلاسي في الثاني عشر من سبتمبر 1974 م الموافق 2 مسركم 1967 م وفقاً للتقويم الإثيوبي ، ونعلن رسمياً إنتقال السلطة الي اللجنة العسكرية المؤقتة لإدارة شئون البلاد وختم البيان بعبارة – إثيوبيا للجميع ) .
وحين سمع الأمبراطور بيان الخلع لم يظهر الغضب بشكل واضح حتي أن البعض أعتبره مؤيداً لما حدث بكونه في صالح شعبه .
وبمثل ماكانت حياته صاخبة ومليئة بطقوس الأباطرة والسلاطين ، كان موته مثار جدل للإثيوبيين ، فحتي بعد مرور عقدين من الزمان وبعد دخول الثوار الي العاصمة اديس ابابا وطردهم للديكتاتور منقستو هيلا ماريام ، تجدد الحديث ً مرة أخري عن الطريقة التي تخلص بها حكام نظام الدرق من الأمبراطور هيلاسيلاسي ، فبعض الروايات تشير الي أن الجنرال منقستو هيلا ماريام قد تخلص من الامبراطور بنفسه ، اذ نشرت صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ الثالث من أبريل 2005 م في عددها الصادر بالرقم (11875) معلومات تشير الي أن منقستو قد أقدم بنفسه علي خنق الأمبراطور بعد أن دخل عليه في غرفته بالقصر ، وكان الأمبراطور قد أخرج من المستشفي بعد أن أجريت له عملية جراحية ناجحة ، وقد إغتاظ الجنرال منقستو وهو يشاهد الامبراطور وهو يبدو في صحة جيدة ويعبر وقتها عن دهشته من طول عمر الأمبراطور وتعافيه السريع ، فلم يتمالك نفسه وفضل أن يتخلص منه بطريقة هادئة ، ورغم نفي منقستو للواقعة الا أنها تبقي أرجح الروايات لأن منقستو قد طلب أن يتم دفن الامبراطور في قبر تحت مكتبه خشية من أن يدفن بعيدا ويبعث مرة أخري ويأتي للإنتقام منه .
وفترة حكم الرئيس الإثيوبي منقستو هايلي ماريام والتي إمتدت لحوالي سبعة عشر عاماً تعتبر من ضمن الفترات المثيرة في تاريخ إثيوبيا ، إذ أن الجنرال منقستو قد حكم إثيوبيا بالحديد والنار وكان أن اتخذ النظام الشيوعي الماركسي قدوة له وتحالف مع الإتحاد السوفيتي ، الا ان سنوات حكمه قد شهدت خلالها إثيوبيا العديد من الحروب والمجاعات ، حيث واجه منقستو تكتل قوات المعارضة المسلحة التي انطلقت من الأراضي السودانية ، حتي سقط في مايو 1991م ، وهرب الي هراري بزيمبابوي ومازال يعيش حتي الان في مزرعته الخاصة بعمر يقترب من التسعين عاما.