د عبدالباقي الشيخ الفادني يكتب : قراءة تحليلية في : الانهيار السريع والانسحابات لمليشيا الدعم السريع

شهدت الأيام الأخيرة تطورات ميدانية مهمة في العاصمة السودانية، الخرطوم، تمثلت في انسحاب وهروب عناصر مليشيا الدعم السريع من مواقع استراتيجية، وذلك بعد تقدم ملحوظ للقوات المسلحة السودانية.
1. انسحاب من مواقع استراتيجية: تمكنت القوات المسلحة السودانية من استعادة السيطرة على مناطق حيوية في الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي ومقرات الوزارات السيادية ومنطقة العاصمة التجارية. 
2. هروب جماعي عبر جسر جبل أولياء: حدوث هروب جماعي لعناصر الدعم السريع من أحياء مختلفة في الخرطوم عبر جسر جبل أولياء، الواقع في أقصى جنوب العاصمة. وشهد الجسر ازدحامًا غير مسبوق بالسيارات العسكرية والمدنية أثناء هذا الهروب. 
3. مغادرة محملة بالمسروقات: تداولت عدة مواقع اخبارية وتواصل إجتماعي صوراً تُظهر عناصر من الدعم السريع يغادرون الخرطوم في سيارات محملة بمسروقات نُهبت من منازل المواطنين والشركات والمؤسسات، متجهين نحو ولاية دارفور. 
4. استعادة الجيش لمواقع إضافية: واصل الجيش السوداني تقدمه، حيث استعاد السيطرة على مطار الخرطوم ومواقع استراتيجية أخرى، مما يشير إلى اقتراب استعادة السيطرة الكاملة على العاصمة. 
5. أسباب ترك الجيش لمنافذ الهروب:
قد يكون تعمد الجيش السوداني ترك منافذ هروب لعناصر الدعم السريع، مثل جسر جبل أولياء، لتجنب قتال مستميت داخل المدينة وتقليل الخسائر البشرية والمادية. 
. هذه التطورات تعكس تراجعاً كبيراً في نفوذ مليشيا الدعم السريع داخل الخرطوم، وتعزز من سيطرة القوات المسلحة السودانية على العاصمة.
.*تحليل مآلات الانهيار السريع لمليشيا الدعم السريع في الخرطوم وتأثيره على باقي مناطق سيطرتها*
الانسحابات المتتالية للدعم السريع من الخرطوم، خصوصاً بعد فقدان مواقع إستراتيجية كالقصر الجمهوري، تؤشر إلى تراجع قدراتهم على الصمود في معاقلهم الأخرى، خاصة في كردفان ودارفور، للأسباب التالية:
أ .ضربة معنوية قاسية: سقوط العاصمة يعزز الشعور بالهزيمة وسط مقاتلي الدعم السريع، ويفقدهم ثقة الحاضنة المحلية والقبلية.
ب . انهيار خطوط الإمداد: كانت الخرطوم مركزاً رئيسياً للإمداد والتمويل، وبدونها ستعاني المليشيا من نقص الذخائر والمؤن، مما يجعلها عاجزة عن خوض معارك طويلة.
ج .تصعيد النزاعات القبلية: قد تستغل القبائل المناوئة للدعم السريع في كردفان ودارفور هذا الضعف لاستعادة السيطرة على أراضيها، مما يؤدي إلى اشتباكات داخلية تؤدي إلى مزيد من تفكك المليشيا.
*تداعيات الانهيار على الدول الداعمة للدعم السريع*
أ . تشاد وإفريقيا الوسطى: قد يزداد تدفق اللاجئين والمقاتلين الهاربين، مما يشكل تهديدًا أمنيًا لهاتين الدولتين ، من المحتمل أن تحاول بعض الدول دعم بقايا المليشيا كأداة ضغط داخل السودان، مما قد يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
ب . الإمارات: فقدان الدعم السريع لمناطق سيطرته يعني خسارة حليف مهم كان يحقق توازناً في مواجهة النفوذ الإقليمي للمحور الآخر (تركيا، قطر)، قد تتجه الإمارات نحو البحث عن بدائل سياسية داخل السودان للحفاظ على نفوذها، مثل تعزيز علاقاتها مع بعض قادة الجيش السوداني أو القوى المدنية المؤثرة.
ج . مصر: ستستفيد مصر من انتصار الجيش السوداني، نظرًا لحرصها على استقرار السودان ومنع انتشار الفوضى التي قد تؤثر على أمنها القومي ، وقد تقدم مصر دعماً دبلوماسياً وعسكرياً للجيش لضمان استكمال الحسم العسكري ومنع أي محاولات لإحياء المليشيا.
*السيناريوهات المحتملة لمسار العمليات :*
أ .السيناريو الأول:
الحسم العسكري الشامل : سيسعى الجيش السوداني إلى استثمار هذا الزخم العسكري لمواصلة التقدم في كردفان ودارفور، لا سيما مع انهيار الروح القتالية للدعم السريع ، إذا استمرت الانشقاقات داخل المليشيا، فقد تنتهي المعركة سريعًا بانهيارها الكامل، مع بقاء جيوب مقاومة معزولة يتم تصفيتها تدريجيًا.
ب .السيناريو الثاني :
تحول المليشيا إلى حرب عصابات : في حال فقدان السيطرة على المدن الكبرى، قد تلجأ المليشيا إلى حرب العصابات خاصة في المناطق الصحراوية والجبلية بدارفور، مستفيدة من وعورة التضاريس ، لكن هذا الخيار سيتطلب دعماً لوجستيًا متواصلاً من حلفائها الخارجيين وهو أمر قد يصبح صعبًا بعد فقدانهم لمراكز الإمداد الرئيسية.
ج .السيناريو الثالث :
التدخلات الخارجية ومحاولات إنقاذ مليشيا الدعم السريع المتمردة ، فالدول الداعمة للدعم السريع، سواءً كانت من دول الجوار أو قوى إقليمية ، قد تحاول إنقاذ ما تبقى منه عبر وساطات سياسية أو تقديم دعم لوجستي محدود للحيلولة دون انهياره التام ، لكن إذا أصبح الدعم السريع عبئًا استراتيجيًا دون أفق لتحقيق مكاسب، فقد تتخلى عنه بعض القوى الخارجية لصالح ترتيبات جديدة تحفظ مصالحها في السودان.
*نخلص إلى الآتي :*
أ. يبدو أن الدعم السريع يواجه مرحلة حرجة، حيث أن إنهياره في الخرطوم يمثل بداية النهاية لمشروعه العسكري، خاصة إذا تمكن الجيش من إستغلال هذا الإنهيار في دارفور وكردفان. ب . السيناريو الأرجح هو الحسم العسكري التدريجي، مع محاولات دولية للحد من تداعيات الأزمة. أما الدول الداعمة، فستجد نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها تجاه السودان في ضوء المتغيرات الجديدة.