عمار العركي .. يكتب: جنوب السودان.. هل يقترب من حرب أهلية أم على أعتاب تحولات سياسية؟

▪️يحمل المشهد في جنوب السودان مؤشرات متسارعة على انهيار الوضع الأمني والسياسي، مع تصاعد الاشتباكات بين الأطراف المتصارعة وتراجع قدرة الدولة على فرض السيطرة، مما ينذر بانزلاق البلاد نحو حرب أهلية شاملة.

▪️في ظل هذه التطورات، برز التحذير الأمريكي الأخير من مخاطر البقاء في البلاد، حيث دعت السفارة الأمريكية في جوبا رعاياها إلى المغادرة فورًا، مؤكدة أن الوضع لم يعد آمنًا. هذا التحذير لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق تطورات متلاحقة تكشف حجم التصدع الداخلي الذي تعانيه حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت.

▪️التقارير القادمة من الميدان تتحدث عن سقوط حامية تابعة لقوات دفاع جنوب السودان في ولاية الاستوائية الوسطى، إضافة إلى اشتباكات عنيفة بمحيط حقل “أدار” النفطي، مما يشير إلى أن الصراع لم يعد مقتصرًا على مناطق متفرقة، بل بات يقترب من المواقع الاستراتيجية التي تمثل عصب الاقتصاد الجنوبي.

▪️في ذات الوقت، كشفت مصادر صحفية عن فشل استخبارات جوبا في اعتقال نائب المدير العام لعمليات الاستخبارات في مكتب الأمن الداخلي، الجنرال يي داك وي، وهروبه إلى جهة غير معلومة، وهي خطوة تعكس حجم التفكك داخل الأجهزة الأمنية.

▪️وفي تطور لافت، تعرضت طائرة هليكوبتر تابعة للأمم المتحدة لإطلاق نار في بلدة الناصر، مما أدى إلى مقتل أحد أفراد الطاقم وعدد من الجنود، بينهم جنرال بارز. هذا الحادث، الذي وصفته بعثة الأمم المتحدة بأنه قد يشكل “جريمة حرب”، يعكس مدى التدهور الأمني، ويؤكد أن الأوضاع باتت مفتوحة على احتمالات خطيرة، في وقت تحاول فيه الحكومة تصوير المشهد وكأنه تحت السيطرة.

▪️ورغم هذه التحديات، خرج الرئيس سلفاكير بتصريح يؤكد أن بلاده “لن تعود إلى الحرب”، في محاولة لطمأنة الداخل والخارج. غير أن الواقع الميداني يتناقض تمامًا مع هذه التصريحات، إذ إن حالة الاصطفاف العرقي والسياسي، وغياب الحلول الفاعلة، تدفع بالأوضاع نحو مزيد من التعقيد. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل ما زال سلفاكير قادرًا على الحفاظ على وحدة بلاده، أم أن الجنوب يتجه إلى مرحلة جديدة من الفوضى والتفكك؟

▪️في خضم هذه التطورات، برزت الإمارات مستفيدة ومستثمرة في هذه الأجواء الفوضوية، عبر إعلانها افتتاح مستشفى ميداني في ولاية بحر الغزال الشمالية قرب الحدود السودانية. هذه الخطوة تثير تساؤلات عدة، خاصة في ظل تجربة مستشفى “أم جرس” الذي أقامته الإمارات في تشاد، حيث تحول لاحقًا إلى مركز دعم لوجستي للمليشيات المسلحة. توقيت افتتاح المستشفى الجديد في جنوب السودان يتزامن مع أزمة سياسية معقدة يواجهها سلفاكير، مما جعله خاضعًا للابتزاز والاستغلال الإماراتي، خصوصًا بعد دعمها لبعض الأطراف الجنوبية المعارضة وتأليبها على حكومته.

▪️أما السودان، فهو الأكثر تأثرًا بما يجري، سواء من الناحية الأمنية أو الإنسانية. تصاعد العنف في الجنوب سيؤدي إلى موجة لجوء جديدة باتجاه الحدود السودانية، مما يستدعي إجراءات عاجلة لضبط المعابر ومراقبة أي تسلل محتمل لعناصر قد تشكل تهديدًا أمنيًا. في الوقت ذاته، يمكن للسودان استثمار هذا الوضع لتعزيز دوره الإقليمي عبر طرح مبادرة سياسية لحل الأزمة، مستفيدًا من علاقاته مع الأطراف الجنوبية والدعم الإقليمي والدولي لإيجاد تسوية تجنب المنطقة كارثة جديدة.

▪️غير أن هذا التحرك الدبلوماسي لا يمكن أن يكون فاعلًا دون الكشف عن حقيقة الدور الإماراتي، وتقديم الأدلة والشواهد على استخدام المستشفى الميداني كغطاء لدعم المليشيات، مما يستدعي تكثيف عمليات الرصد الاستخباراتي على الحدود، وتعزيز الوجود الأمني داخل جوبا، لفضح هذا التدخل وتأثيره على استقرار جنوب السودان والسودان معًا.

■ خلاصة القول ومنتهاه

▪️جنوب السودان يواجه اليوم أخطر لحظاته منذ الاستقلال، حيث لم تعد الأزمة مجرد صراع سياسي، بل باتت تمثل اختبارًا حقيقيًا لبقاء الدولة ذاتها. سلفاكير يجد نفسه في موقف صعب، بينما تتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية، في وقت تبدو فيه القوى الإقليمية والدولية غير مستعدة للتدخل الحاسم. السودان، بحكم موقعه ومصالحه، لا يمكن أن يكون مجرد متفرج، بل عليه التحرك بوعي واستراتيجية لمواجهة التحديات التي قد تنتج عن هذا الانهيار المحتمل، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي أو الدبلوماسي .

مقالات ذات صلة