خبر و تحليل – عمار العركي :قراءة هادئة في ملف الترقيات بوزارة العدل: بين التساؤلات والإجابات الرسمية

___________________________
* منذ أن طرحتُ تساؤلاتي حول تأخير إعلان كشف الترقيات في وزارة العدل، كان هدفي الأساسي تسليط الضوء على مسألة تتعلق بالشفافية والعدالة المؤسسية، وهو حق مشروع لكل من يعمل في الشأن العام، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمؤسسة كوزارة العدل، التي يُفترض أن تكون نموذجًا للنزاهة والحوكمة الرشيدة.
* عقب نشر مقالنا السابق حول كشف الترقيات والتساؤلات المثارة، تلقيت اتصالًا مهذبًا من مكتب السيد/ وكيل وزارة العدل والوزير المفوض، مولانا / هويدا علي عوض الكريم، يدعوني إلى لقاء لتوضيح الملابسات والإجابة على التساؤلات الصحفية. ونظرًا لبرنامج عملها خارج مقر الوزارة، قامت بتكليف السيد المحامي العام، مولانا علي خضر، ومولانا قرشي التوم، مدير مكتب وكيل الوزارة، مواصلة الاجتماع بنا، في إشارة واضحة إلى تقدير الوزارة لدور الصحافة وحرصها على الشفافية والتواصل مع الرأي العام.
* رغم سخونة الأسئلة ومباشرتها، قوبلت جميعها برحابة صدر واستعداد للإجابة دون تردد، مما يعكس نهجًا إيجابيًا في التعامل مع القضايا المثارة.
*_الضوابط المؤسسية والقيود الواقعية_*
* في مستهل حديثه، أكد المحامي العام على دور الصحافة كشريك أساسي في الهم العدلي، مشددًا على أهمية التبصير بالحقائق الواقعية. وأوضح مولانا علي خضر أن وزارة العدل صممت عملية الترقيات وفق ضوابط وأسس قانونية ولائحية واضحة، تخضع لمتابعة دقيقة في جميع مراحلها، وتأخذ في الاعتبار معايير الأقدمية والكفاءة والتقييمات المهنية. هذه العملية تستغرق وقتًا نظرًا لطبيعة الإجراءات المتبعة، وفي ظل الظروف الحالية، قد يواجه تنفيذها بعض التحديات الإدارية.
* ورغم الالتزام بالضوابط المؤسسية، فرضت ظروف الحرب الاستثنائية تحديات غير معهودة، وليس لأي اعتبارات أخرى. كما أوضح أن عدد المستحقين للترقية قد يكون أكبر من العدد الذي تم الإعلان عنه، ويرتبط ذلك بالموارد المالية المتاحة للدولة في هذه المرحلة. فالظروف الاقتصادية الحالية، التي تفاقمت بسبب الحرب، تجعل من الصعب الإيفاء بجميع الالتزامات المالية دفعة واحدة. ومع ذلك، بذلت الوزارة جهودًا لمعالجة هذا الوضع، وتمت ترقية جميع المستحقين وفق ما تسمح به الإمكانيات، مع التأكيد على تشكيل لجنة مستقلة للنظر في أي تظلمات قد ترد من المستشارين الذين يرون أنهم لم يحصلوا على حقوقهم في الترقية، بما يضمن العدالة والإنصاف.
* وعند سؤالنا عن مدى شفافية لجنة التظلمات وآلية عملها، أوضح مولانا علي خضر أن اللجنة يتم تشكيلها وفق معايير دقيقة، وهي مستقلة تمامًا عن لجنة الترقيات، ويتم إنشاؤها فور نشر كشوفات الترقية، وهو نهج متبع منذ عشرات السنين. وقد تمكنت هذه اللجنة من إنصاف العديد من المتظلمين، بعد دراسة حيثيات استئنافاتهم واتخاذ القرارات المناسبة وفقًا للقانون واللوائح المعمول بها.
*_التحديات الراهنة ومتطلبات المرحلة القادمة_*
* خلال النقاش ، تطرقنا التحديات التي تواجه الوزارة في ظل الظروف الراهنة، حيث أوضح المحامي العام أن الوزارة تعمل على التعامل مع المتغيرات المتسارعة التي فرضتها الحرب وتأثيراتها على الأداء الإداري والهيكلي. كما شدد على أهمية استمرار تطوير السياسات والإجراءات لضمان المرونة والفاعلية في تنفيذ المهام الموكلة إليها.
* وفي هذا السياق، تمت مناقشة أهمية تبني خطة مرحلية تواكب المستجدات، وتضع أسسًا متينة لمستقبل الوزارة، بحيث تضمن إدارة الأزمة الراهنة بفاعلية عبر تطوير آليات التعامل مع التحديات القانونية والإدارية، وضمان استمرارية العمل بكفاءة. كما يتطلب الأمر تعزيز الأداء المؤسسي من خلال تطوير السياسات الداخلية بما يحقق الكفاءة والعدالة، وتعزيز آليات اتخاذ القرار بما يتماشى مع متطلبات المرحلة.
* أما على المدى البعيد، فإن استشراف دور الوزارة في مرحلة ما بعد الحرب يقتضي وضع استراتيجية طويلة الأمد تعزز دورها في دعم سيادة القانون، والمساهمة في التنمية التشريعية والإدارية، بما يضمن تحقيق العدالة وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
* إن وزارة العدل، كغيرها من مؤسسات الدولة، تأثرت بفترة التجريف المؤسسي والتمكين الذي مورس خلال فترات السيولة السياسية والأمنية، وخاصة خلال مرحلة حكم شراكة قحت، ثم الفراغ الوظيفي منذ أكتوبر 2021، الذي ترك الوزارة دون قيادة مستقرة لفترة طويلة. هذا الإرث الثقيل تراكمت تبعاته، ثم جاءت الحرب التي استمرت لعامين لتضيف مزيدًا من التحديات، مما جعل الوزارة أمام مسؤولية مزدوجة: أولًا، الحد من سلبيات الماضي وتصحيح الاختلالات التي خلفتها تلك المراحل، وثانيًا، تسيير الأوضاع الراهنة والاضطلاع بالدور العدلي المطلوب تجاه الحرب وإفرازاتها، مع ضرورة العمل على استشراف دورها المستقبلي بعد الحرب.
* إقتنعنا بكثير من الاجابات علي التساؤلات، وبعضها لم يقنعنا ، ولا زالت مطروحة للنقاش الذي طال زمنه ولم ينتهى ، لكن إن أهم ما تحتاجه الوزارة اليوم هو تبني نهج إصلاحي شامل ومتدرج يستصحب المتغيرات والافرازات السالبة ، ويوازن بين معالجة التحديات الراهنة والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، بحيث يتم العمل على تعزيز القدرات المؤسسية وضمان استقرار واستدامة الأداء الوظيفي العدلي، بما يواكب التحولات الكبرى التي تمر بها البلاد .