خبر وتحليل – عمار العركي : الشراكة الشعبية بين السودان ومصر: ضرورة استراتيجية لتحويل الوعود إلى حلول ملموسة

▪️في سياق العلاقات التاريخية العميقة بين السودان ومصر، تظل التحديات السياسية والإستراتيجية تفرض نفسها بشكل مستمر على تطور هذه العلاقة. وفي هذا الإطار، أتى مقال “شكراً مصر” ليعبّر عن تقدير السودان للشقيقة الكبرى، وفي الوقت نفسه يطرح تساؤلات حول عدم تفعيل مخرجات التعاون المشترك بين البلدين. وبينما نحيي الجهود المخلصة من الجانب المصري في دعم السودان في محنته الحالية، تكمن الحاجة إلى آلية فعّالة تضمن تنفيذ هذه المخرجات وتحويل التقدير والتعاطف إلى مشاريع ملموسة تخدم مصالح الشعبين. وهنا تأتي زيارة وزير الخارجية السوداني السفير علي يوسف إلى القاهرة لتسلط الضوء على ضرورة تعزيز التعاون الثنائي وتحويله إلى سياسات عملية قابلة للتنفيذ.

*مخرجات زيارة وزير الخارجية :*

في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية د. علي يوسف إلى مصر، تم طرح العديد من الملفات الحيوية التي تعكس التنسيق المشترك بين البلدين في مواجهة التحديات التي يمر بها السودان. من أبرز هذه الملفات قضية “السودانيين في مصر”، حيث ناقش الوزير مع شقيقه المصري الأوضاع الصعبة التي يواجهها المواطن السوداني من حيث الإقامات والرسوم العالية، مطالباً بزيادة التعاون لحل هذه المشاكل. هذه القضية، التي تمثل جزءاً من الواقع اليومي للسودانيين في مصر، تشير إلى حاجة ملحة لإنشاء “آلية دائمة” للتواصل وتنسيق الجهود بين الحكومتين، وهذا ما يعزز فكرة إنشاء “مجلس شعبي سوداني مصري للعلاقة” كمظلة تنظم العلاقة بين الشعبين وتوفر حلولاً مستدامة للتحديات المشتركة.
▪️ومن مخرجات الزيارة أيضاً، تم التأكيد على ” إنشاء لجنة مشتركة لإعمار السودان بعد الحرب”، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في تعزيز التعاون بين البلدين في مرحلة ما بعد الحرب. ولكن، كما أشرت في مقال “شكراً مصر”، يظل مثل هذا التعاون رهيناً بإرادة تنفيذية من الجانبين، ولا يمكن أن يبقى مجرد تصريحات على الورق دون آلية فعّالة تتابع تنفيذ هذه المشاريع، وتضمن أن تصل الفوائد إلى الشعب السوداني بشكل ملموس.

*_دور الشعب الكيني، وأثره على فكرة المجلس الشعبي السوداني المصري_*

▪️في سياق الأزمة الكينية السودانية الراهنة، برز الدور الشعبي الكيني كعامل تأثير محوري في الأزمة،والمواقغ الدولية والإقليمية تجاه السودان. على الرغم من المواقف الرسمية لبعض الدول التي قد تتأثر بالضغوط الإقليمية أو الدولية، فإن المواقف الشعبية داخل الدول تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل السياسات، كما هو الحال مع الشعب الكيني الذي أظهر رفضًا واسعًا لبعض المواقف الحكومية، خاصة في مسألة دعم الحكومة الموازية التي تحاول مليشيا الدعم السريع تشكيلها في السودان. الاحتجاجات الداخلية الكينية، والتي وصلت سريعا البرلمان والاعلام والمحكمة الكينية العليا، تشير إلى أن هناك تحركات شعبية فاعلة يمكن أن تضغط على الحكومة الكينية لتغيير موقفها.
▪️إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة من زاوية المقارنة، نجد أن الشعب السوداني في مصر، الذي يمثل جزءاً كبيراً من الجالية السودانية في الخارج، يشكل قوة شعبية هامة يمكن أن تساهم بشكل فعال في تشكيل وتوجيه السياسات بين البلدين. هذا يمكن أن يكون محورًا أساسيًا في سياق إنشاء “مجلس شعبي سوداني مصري للعلاقة”، الذي سيكون بمثابة منصة للعمل الشعبي الموجه لدعم المواقف الرسمية، تمامًا كما حدث في كينيا .
▪️إن تفعيل دور هذه القوى الشعبية في إطار ” المجلس الشعبي السوداني المصري” يمكن أن يساهم في تعزيز الضغط الشعبي على الحكومات لتحقيق نتائج ملموسة في قضايا مثل الإقامات والرسوم، وكذلك في قضايا سياسية و دبلوماسية أخرى ذات تأثير مباشر على حياة المواطنين. وهذا يبرز أهمية أن يكون لهذا المجلس دور فاعل في تحديد السياسات وتنفيذها بطريقة تُعبّر عن مصالح الشعبين، بما يعكس تحولات إيجابية على الصعيدين الداخلي والخارجي.

*_مخرجات الزيارة والواقع الشعبي_ :*

▪️عند النظر إلى مخرجات زيارة وزير الخارجية السوداني إلى مصر، يتضح أن هناك توافقًا في الأهداف بين الحكومة السودانية والموقف المصري، لكن ما زال هناك تحدٍ في تحويل هذه الأهداف إلى حلول ملموسة، وهو ما يجعل الحاجة للمشاركة الشعبية عبر المجلس السوداني المصري أمرًا ذا أهمية قصوى. المجلس، مثلما ظهر في كينيا، سيشكل أداة ضغط محلية داخلية يمكنها أن تُضاف إلى الضغط السياسي الدولي، ما يساعد في تسريع تنفيذ الحلول التي طُرحت في اللقاءات الرسمية.

*_خلاصة القول ومنتهاه_ .:*

▪️في النهاية، فإن الدور الشعبي، سواء في كينيا أو بين الجالية السودانية في مصر، يشكل عنصرًا أساسيًا لا يمكن تجاهله في إطار أي جهود دبلوماسية أو استراتيجية، وهذا ما يبرر ضرورة وجود المجلس الشعبي السوداني المصري كأداة فاعلة لضمان تفعيل مخرجات التعاون بين البلدين، وجعلها أكثر انسجامًا مع احتياجات الشعبين في الوقت الراهن.

مقالات ذات صلة