وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي : تحالف “صمود” ..تحوّل في المشهد السياسي أم امتداد لانقسامات المرحلة الانتقالية ؟

في خضم التحولات السياسية والأمنية التي يشهدها السودان ، جاء إعلان تكوين التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، بقيادة د. عبد الله حمدوك ، ليعكس ديناميكيات جديدة في إعادة تشكيل التحالفات المدنية ، وسط تفاعلات معقدة بين القوى السياسية والمجتمعية . فما طبيعة هذا التحالف ؟ وهل يمثل استجابة لدعوة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بضرورة التخلي عن مليشيا “الدعم السريع” كشرط للمشاركة في المرحلة المقبلة ؟ في هذا المقال نحاول مناقشة هذه التداعيات ومواقف القوي السياسية المحتملة منه.

يضم “صمود” عدداً من الأحزاب والتيارات المدنية، من بينها حزب الأمة القومي، المؤتمر السوداني، والتجمع الاتحادي ، إضافة إلى كيانات مهنية . وقد جاء هذا التشكيل في سياق رفض بعض القوى المدنية لمقترح تشكيل الحكومة الذي طرحته تنسيقية “تقدم” حيث فضّلت هذه الفئات تأسيس كيان جديد يعكس موقفها السياسي المغاير ، وهو ما يُفسَّر بأنه محاولة للتموضع ضمن مشهد سياسي جديد قد يستوعب شرط البرهان بضرورة التخلي عن دعم المليشيات للالتحاق بركب العملية السياسية وهذا ربما يعني ضمنيا التخلي عن وثيقة اعلان المبادئ الموقعة مع المليشيا في أديس أبابا في فبراير من العام الماضي .

يأتي الإعلان عن التحالف في لحظة مفصلية ، حيث يسعى الجيش السوداني لاستكمال عملياته العسكرية ضد ” مليشيا الدعم السريع” بالتزامن مع مساعي الرئيس البرهان لإعادة ترتيب المشهد السياسي وفق رؤية تستبعد أي طرف متورط في دعم المليشيات المسلحة . في هذا السياق يبدو أن “صمود” يحاول تقديم نفسه مستوعبا المتغيرات الجديدة في السودان، بل ربما يطرح مساراً للحل السياسي ، بجانب معالجة الأزمة الإنسانية ، والتأسيس لنظام ديمقراطي مستدام ، وفقاً لما ورد في بيانه التأسيسي .

لكن هذا الموقف يواجه تحديات عدة ، أبرزها قبول أحزابه ضمن المشهد السياسي من قبل جماهير الشعب السوداني الذين يحملون هذه القيادات مسؤولية دعم انقلاب مليشيا الدعم السريع والذي أفضى إلى الحرب بجانب القدرة على تحقيق توازن بين استقلاله السياسي وعدم استعداء السلطة العسكرية ، إضافة إلى ضرورة بلورة رؤية موحدة بين مكوناته ، خاصة أن تجارب التحالفات المدنية السابقة ، مثل “قوى الحرية والتغيير”، أظهرت هشاشة في التوافق الداخلي تمظهرت في صعود مجموعة على حساب أخرى .

على المستوى العملي، يتزامن ظهور “صمود” مع تحركات سياسية واسعة تقودها قوى مختلفة لإعداد خريطة طريق لمرحلة ما بعد الحرب . وبحسب مصادر مطلعة ، هناك توجه لتقسيم الفترة الانتقالية إلى مرحلتين : الأولى تُعنى بإكمال المهام العسكرية واستعادة الاستقرار، والثانية تُركز على التحضير للانتخابات ، وسط مقترحات بإبقاء البرهان في موقعه ، وتشكيل حكومة من كفاءات مستقلة غير حزبية .

في هذا السياق ، تبرز تساؤلات حول إمكانية تحول “صمود” إلى لاعب أساسي في التفاوض على مستقبل السودان السياسي ، أم أنه سيبقى مجرد مظلة تجمع أطرافاً مدنية دون تأثيرا فعليا. يواجه التحالف الجديد تحديات رئيسية ، من بينها ضعف الهياكل التنظيمية ، ما قد يحدّ من فاعليته السياسية ، إضافة إلى طبيعة العلاقة مع السلطة الانتقالية في ظل دعوات البرهان للحوار الوطني وإبعاد القوى المرتبطة بـ”مليشيا الدعم السريع” . كما أن مدى قدرته على التأثير في مسار الحل السياسي لا يزال غير واضحا ، خاصة مع بروز قوى أخرى ، مثل الكتلة الديمقراطية ، التي قد تسعى للتحالف مع التيار الإسلامي العريض لتشكيل قوة ضغط سياسية مؤثرة في المرحلة المقبلة .

كذلك الإسلاميون الذين عانوا من الإقصاء خلال الفترة الانتقالية السابقة التي سبقت الحرب، يدركون أن أي تسوية سياسية جديدة يجب أن تأخذ في الاعتبار وزنهم السياسي والشعبي . ورغم أن البرهان أكد رفضه لعودة “المؤتمر الوطني” الأن، ودعاه الي الانتطام ضمن الاخرين لانتظار الانتخابات، إلا أن التيار الإسلامي الأوسع – بما في ذلك المجموعات التي قاتلت إلى جانب الجيش – سيحاول فرض نفسه كطرف أساسي في أي خارطة طريق جديدة. لذلك من المتوقع أن يدعم الإسلاميون خطة البرهان بشكل غير مباشر ، خاصة إذا رأوا أنها ستقصي “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي” ومكونات “تقدم” السابقة ، لكنهم في ذات الوقت قد يحاولون الضغط لضمان عدم تهميشهم في أي عملية سياسية قادمة .

هذا في حال تبين أن خارطة الطريق الجديدة تهدف إلى إعادة إنتاج قوى سياسية دون إشراكهم ، فقد يتجهون إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا ، سواء عبر تحركات سياسية داخلية أو من خلال خطاب إعلامي يستهدف البرهان نفسه . كما قد يسعون إلى استغلال أي خلافات داخل “صمود” أو القوى المدنية الأخرى لتعزيز موقفهم ، خاصة في ظل استمرار الغموض حول مستقبل الدعم السريع وموقف التحالفات المدنية منه .

لا ننسي هناك قوي سياسية اخري لم تعلن موقفها بوضوح من “صمود “تمثل الحزب الشيوعي والبعث الريح السنهوري والتي متوقع ان تعود الي بورتسودان خلال الايام القادمة بحسب تسريبات اعلامية.

على المستوى الدولي ، تبدو القوى الإقليمية والدولية مستعدة لدعم خارطة طريق جديدة تستبعد “الدعم السريع” وحلفاءه ، ما يجعل الفترة المقبلة حاسمة في تحديد التوازنات السياسية في السودان . هناك توافق متزايد حول ضرورة إنهاء الحرب بصفقة سياسية تشمل كافة الأطراف غير العسكرية ، وهو ما يضع “صمود” أمام اختبار قدرته على التكيّف مع هذه المتغيرات .

من الواضح أن تحالف “صمود” يمثل محاولة لإعادة ترتيب صفوف القوى المدنية ، لكنه يواجه اختبارات صعبة في قدرته على تقديم طرح سياسي متماسك . ويبقى السؤال الأهم : هل سيصبح التحالف قوة سياسية ذات تأثير حقيقي ، أم أنه سيلقى مصير التحالفات المدنية السابقة ، التي فشلت في التوحد خلف رؤية مشتركة ؟ من الناحية العملية فإن قبول “صمود” بالشروط المطروحة قد يمنحه فرصة للحفاظ على شرعيته كتحالف مدني ديمقراطي يجد قبول دوليًا وإقليميًا ، لكنه في المقابل قد يواجه تحديات داخلية حول مدى قبوله جماهيرا بالنظر إلى أنه كان داعما لانقلاب الدعم السريع الذي أدخل البلاد في الحرب .

في ظل هذه التحديات ، وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة ، تظل العلاقة بين القوى المدنية والعسكرية هي المحدد الأساسي لمستقبل أي تحالف سياسي في السودان ، حيث يتوقف النجاح على القدرة على المناورة وتشكيل التحالفات الوازنة و بين متطلبات الاستقلالية ، والواقع السياسي الذي تفرضه المرحلة الانتقالية التي يجمع معظم السودانين علي أهمية ادارتها بواسطة الجيش بعيدا عن الأحزاب السياسية التي تعاني في مجملها من الصراعات الداخلية أو الصراعات الصفرية فيما بينها .
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 12 فبراير 2025 م. Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة