نصيحتي لله (2): السرطان في السياسة السودانية – آخر العلاج البتر .. بقلم: الأستاذ أبوبكر الشريف التجاني
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/02/ea941ef4-2361-48c7-8fcc-a550d28f5f1c-640x470-1.jpeg?v=1739209790)
بسم الله نبتدئ، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي.
تحدثتُ في المقال السابق عن بعض المخارج التي أراها الأنسب لتحقيق الاستقرار السياسي في البلاد، مع تلطيف حساسية المشهد السياسي المعقد في السودان. الحل يكمن في التصالح والتوافق بين السياسيين والمدنيين أصحاب المصلحة والعسكر، ليكون الحل سودانيًا خالصًا دون تدخلات خارجية، حفاظًا على وحدة السودان.
هذا التصالح يجب أن يؤدي إلى تشكيل حكومة عسكرية قوية تفرض هيبة الدولة وعظمتها، تقودها القوات المسلحة ويرأسها رئيس جمهورية. إلى جانب ذلك، يتم تكوين مجلس شعب منتخب من أصحاب المصلحة المستنيرين من جميع أبناء الشعب السوداني والقطاعات دون إقصاء. تكون مهمة هذا المجلس وضع الدستور والتشريعات ومتابعة ومراجعة الوزراء، ثم تشكيل مجلس وزراء يضم الكفاءات والتكنوقراط من المواطنين الشرفاء الأمناء.
ما أراه مبني على واقع التجارب التي مرت بها بعض دول العالم الثالث، ومنها السودان. فالسودان لا يحتمل في هذه المرحلة أي مزايدات أو حكومة مدنية هشة تأتي بأجندة خارجية، أو انتخابات غير مستقرة بسبب ضعف الأحزاب السياسية. الفشل سيكون نتيجتها الحتمية، مما يؤدي إلى فوضى جديدة تستدعي الجيش للتدخل، وهو الأمر الذي تترقبه القوى الدولية والإقليمية المتربصة بالبلاد لتحقيق مصالحها الخاصة.
*عن الثورات*
إن نصيحتي لله أن السودان قد شهد ما يكفي من الثورات -لو صح التعبير- منذ الاستقلال. لقد جربنا كل الثورات مرات عديدة، لكنها لم تُحدث تغييرًا حقيقيًا، بل جلبت لنا الخراب والانقسامات والتدخلات الخارجية في الشأن السوداني.
المرحلة الحالية تتطلب البناء والعمل الجاد والحكمة، لا مزيد من الثورات المصنوعة المسمومة التي تستنزف طاقات الوطن.
*السرطان في السياسة السودانية*
السرطان السياسي هو مجموعة من المشاكل والأزمات التي تنشأ داخل النظام السياسي، تؤدي إلى تآكل مؤسسات الدولة وإضعافها، مثل السرطان الذي ينهش الجسد ببطء. يبدأ هذا النوع من الأزمات صغيرًا، ثم يتفاقم مع مرور الوقت حتى يصبح مستعصيًا على الحل، مدمرًا للاستقرار السياسي والاجتماعي.
*الاستقلال وبداية الأزمة*
عند الحديث عن جذور الأزمة السياسية في السودان، لا يمكن تجاهل الفترة التي أعقبت الاستقلال. فعلى الرغم من الانعتاق من الاستعمار، إلا أن السودان دخل مباشرة في مرحلة من الانقسامات والصراعات السياسية التي أضعفت مؤسسات الدولة. وبدلًا من أن يكون الاستقلال بداية لعهد جديد من الاستقرار، أصبح نقطة انطلاق لسلسلة من الأزمات.
*أسباب تفشي السرطان السياسي*
1. المصالح الحزبية الضيقة: الأحزاب السياسية ركزت على تنافسها على السلطة بدلًا من العمل على رفعة الوطن.
2. غياب الاستقرار السياسي: الحكومات المتعاقبة عانت من التقلبات وعدم القدرة على تقديم حلول مستدامة.
3. التدخلات الخارجية: القوى الدولية والإقليمية استغلت الوضع لتحقيق مصالحها الخاصة عبر الخروقات السياسية من بعض العملاء السياسيين في البلاد.
4. الفساد الإداري والمالي: انتشر الفساد في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى إهدار الموارد الوطنية وتعطيل التنمية.
*آثار السرطان السياسي على السودان*
تفشي الفوضى والانقسامات: النزاعات السياسية وفقدان الروح الوطنية زادت من التوترات الداخلية وعمّقت النزاعات المسلحة.
تدهور الاقتصاد: سوء الإدارة والفساد أضعفا الاقتصاد الوطني وأديا إلى انهيار البنية التحتية وتهميش الأقاليم.
غياب سيادة القانون: ضعف المؤسسات القضائية وعدم احترام القانون أضعفا الثقة بين المواطنين والحكومة.
*العلاج وآفاق المستقبل*
رغم التحديات، فإن السودان -بعون الله ولطفه- قادر على التعافي من هذا المرض القاتل. آخر العلاج هو البتر المبكر وإن جاء متأخرًا، لكن الآن حان الوقت إذا توفرت الإرادة الوطنية والرؤية الواضحة الموحدة وأمسك الشرفاء الأمناء من أبناء السودان بالسيف والقلم.
*من بين الحلول المقترحة:*
1. إصلاح مؤسسات الدولة: بناء مؤسسات قوية شفافة نزيهة تخدم مصلحة المواطن.
2. التصالح الوطني: فتح قنوات حوار شاملة بين جميع مكونات المجتمع للوصول إلى رؤية موحدة لإدارة البلاد.
3. محاربة الفساد: إنشاء هيئات مستقلة للمساءلة والشفافية.
4. تعزيز التنمية الاقتصادية: وضع خطط تنموية عادلة تشمل جميع الأقاليم وتوفر فرص العمل للشباب، مع التركيز على الزراعة والإنتاج الحيواني والصناعة كمخرج أساسي.
*ختامًا*
السودان الآن يحتاج إلى رؤية جديدة وعمل مشترك لبتر هذا السرطان السياسي الذي أنهك جسد الوطن. إن التغيير الحقيقي لن يتحقق إلا بتكاتف جميع مكونات الشعب بعيدًا عن الانقسامات والغبن السياسي والثورات المتكررة التي لم تحدث تغييرًا شاملًا وكاملًا بمعنى تعريف الثورة الحقيقية في العالم.
كلنا أمل وثقة أن يعود السودان قويًا، آمنًا، سالمًا.
اللهم احفظ السودان وأهله، وامنح أهله الحكمة، وولِّ عليهم من يصلح لبناء مستقبل أفضل لوطننا السودان.
الله المستعان.
والسلام على من اتبع الهدى.