من أعلي المنصة .. ياسر الفادني : جَايِّ تَفَتِّشْ الماضي !
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/02/IMG_3972.png?v=1738844672)
تمثل أغنية “جاي تفتش الماضي” إحدى الروائع السودانية التي حملت في طياتها مزيجًا من الشجن والحنين أبدع فيها التيجاني حاج موسي في تصوير العلاقة بين الذكرى والحاضر بأسلوب شاعري مفعم بالعاطفة ،ركز النص على ثنائية البحث والتذكر حيث إستخدم تعبير “جاي تفتش الماضي”؟ كإستفهام ضمني يحمل دهشة الشاعر وتعجّبه من محاولات النبش في الذكريات القديمة، النص يعكس بوضوح مشاعر التأرجح بين الماضي والحاضر بأسلوب تصويري يُشرك المستمع في تجربة وجدانية عميقة كأن الكلمات تُعيد رسم اللحظات المنسية وتبعث فيها الحياة من جديد، التيجاني إستخدم لغة بسيطة ولكنها مشحونة بالعاطفة إعتمدت علي الإيقاع الداخلي للكلمات مما خلق توازنًا بين المعنى والإحساس كما أن تكرار بعض العبارات منح الأغنية طابعًا غنائيًا جذب المستمع، وجعل النص قريبًا من وجدانه بل ملتحما معه
المبدع دوما الفنان كمال ترباس أُدّي الأغنية بصوت يفيض بالشجن والدفء ، أظهر فيها قدرته على توصيل المشاعر الكامنة في النص من خلال الأداء المتقن والتلوين الصوتي الذي يعكس حالات الحنين والتساؤل والدهشة ، كان صوت ترباس في هذه الأغنية بالذات ليس مجرد وسيلة لنقل الكلمات بل هو عنصر أساسي في إيصال الإحساس الكامن حنينا الذي يحمله النص إذ تنقل بين طبقات صوتية مختلفة تتماشى مع تصاعد العاطفة وإنخفاضها مما جعل الأغنية أقرب إلى حالة وجدانية متكاملة وجياشة
سحر النص البلاغي كان واضحا في الأغنية عبر عدة تقنيات أدبية منها مايسمي بالاستفهام البلاغي في عبارة جاي تفتش الماضي ؟ حيث لا يُقصد بالسؤال طلب إجابة بل هو تعبير عن الدهشة والاستغراب ، استخدم الشاعر التجاني حاج موسي ولعله استفاد من النبض الإبداعي الكتابي الشعري التراكمي الذي في ذخيرته وإستعمل التكرار هنا ولعله يريد إبراز الفكرة الأساسية وتعزيز التأثير العاطفي لكي يجعل الأغنية أكثر وقعًا في النفس ، لعب بالتصوير والاستعارة أيما لعب واعتبر الماضي مكانا ملموسا يمكن البحث عنه وهذه… لعمري…. صورة مجازية
تمنح النص بعدًا دراميًا يعزز الشعور بالحسرة والحنين إتخذ الشاعر في النص منهج التضاد بين الماضي والحاضر وجعله عنصر جوهري إعتمد فيه على المقارنة الضمنية بين ما كان وما هو كائن ليؤكد على التغير الذي حدث ويبرز البعد الزمني للشوق والدهشة والحنين
أسلوب لحّن الأغنية جاي تفتش الماضي يتناغم تمامًا مع مضمونها العاطفي حيث بُني اللحن على مقامات موسيقية تبرز الإحساس بالشجن والحنين مثل مقام (الحجاز) أو (البياتي) ، وهما من المقامات الشرقية التي تتميز بحسها العاطفي العميق بدأ اللحن بنغمة هادئة مهدت للمستمع الدخول في أجواء الأغنية ثم تصاعدت تدريجيًا مع تصاعد المشاعر في النص حتى وصلت إلى الذروة وخاصة عند العبارات الأكثر تأثيرًا إعتمد التوزيع الموسيقي على إستخدام الآلات الشرقية مثل العود والكمان والتي تعزز الطابع الحزين للأغنية كما أن الإيقاع يتماشى مع طبيعة النص حيث يُستخدم إيقاع بطيء أو متوسط ليمنح المساحة الكافية للصوت ليعبّر عن كل كلمة بإحساسها الكامل
إني من منصتي…. أستمع الآن…. لهذه الاغنية التي تعد نموذجًا للأغنية السودانية التي تجمع بين قوة النص وعمق اللحن وأداء الصوت الذي يحمل روح الأغنية إلى المستمع فهي ليست مجرد أغنية بل تجربة شعورية تحمل ذكريات وحنينًا وتترك أثرًا عاطفيًا في كل من يسمعها، تحية للذي كتب وتحية للذي لحن وأدى …ودا الغنا…. ولا بلاش! .