من أعلي المنصة .. ياسر الفادني : المليشيا.. سقوط دراماتيكي نحو المجهول
شهدت الخرطوم والجزيرة وسنجة وأم روابة فصولًا متسارعة من الإنهيار العسكري للمليشيا التي كانت تسعى للسيطرة على السودان عبر العنف والفوضي ، جاءت الهزيمة نتيجة عوامل متعددة، أبرزها التفوق العسكري للقوات النظامية، والتخبط الاستراتيجي للمليشيا وإنقطاع خطوط الإمداد، فضلًا عن الرفض الشعبي الواسع لها والذي بلغ ذروته بنزوح المواطنين من مدنهم وقراهم عندما دخلوا فيها رافضة لوجودها ، فشلت المليشيا في الحفاظ على مواقعها ووجدت نفسها محاصرة في عدة جبهات مما أدى إلى إنهيارات متتابعة وخسائر فادحة في صفوفها
لم تكن النهاية الدراماتيكية لهذه الجماعة المسلحة مجرد مسألة عسكرية بحتة، بل كانت محصلة لرفض شعبي جارف وديناميكيات سياسية وإجتماعية أجهضت مشروعها القائم على العنف فقد انكشف الوجه الحقيقي لهذه الجماعة التي مارست الفوضى والنهب، هذا ما جعلها تفقد أي تعاطف شعبي أو حاضنة إجتماعية، لم يعد بإمكانها تقديم نفسها كقوة قادرة على الحكم أو تحقيق الإستقرار، بل باتت تمثل عبئًا حتى على داعميها الإقليميين الذين بدأوا يراجعون حساباتهم بعد فشل مشروعها عسكريًا وسياسيًا
أما جناحها السياسي، المتمثل في كتلة “تقدم”، فقد ارتبط مصير تلك الجهة الهلامية بمصيرها العسكري فبزوال القوة المسلحة التي كانت تمثل ذراعها الضاربة باتت في مواجهة عزلة تامة، إذ لا تستطيع إستقطاب قاعدة جماهيرية حقيقية في ظل إرث المليشيا القائم على العنف والانتهاكات، لم تكن “تقدم” سوى غطاء سياسي لمحاولة شرعنة وجود المليشيا وحين إنهار هذا الوجود فقدت تقدم أي تأثير في المشهد السياسي
العزوف الشعبي عن المليشيا وواجهتها السياسية لم يكن مجرد موقف عابر، بل يعكس تحولًا جوهريًا في وعي الشارع السوداني ، لقد أدرك الشعب أن أي مشروع سياسي قائم على العنف لا يمكن أن يكون جزءًا من مستقبل البلاد، خاصة بعد التجربة القاسية التي مر بها خلال فترة سيطرة هذه الجماعة على مناطق واسعة ولذلك من المرجح أن يستمر هذا الرفض الشعبي، ليشمل كل القوى التي تحاول إعادة إنتاج المليشيا أو منحها أي مساحة للعودة في المستقبل
مستقبل المليشيا يبدو مظلمًا، إذ فقدت القدرة على المناورة العسكرية والسياسية، ولم يعد لها ملجأ سوى الهروب أو محاولة إعادة التموضع في مناطق نائية وهو ما سيجعلها عرضة لمزيد من الهزائم ، أما جناحها السياسي فقد أصبح معزولًا وغير قادر على التأثير، مما يعني أن محاولات إعادة تقديم نفسه ستبوء بالفشل
اني من منصتي انظر …..حيث أري…. أن السودان اليوم يقف على أعتاب مرحلة جديدة تخلص فيها من كابوس الجنجا ، ويتجه نحو بناء دولة قائمة على سيادة القانون والمؤسسات أما أولئك الذين راهنوا على العنف فقد كتبوا بأنفسهم نهايتهم، ليظل الشعب السوداني هو المنتصر الوحيد في هذه المعركة المصيرية.