خبر وتحليل -عمار العركي : _اتفاق بورتسودان وبيان الخارجية : السودان يعيد ضبط التوازنات في جنوب السودان_ التوقيت وسياق الأزمات بين الدولتين
![](https://www.atheernews.net/wp-content/uploads/2025/01/IMG_3180.jpeg?v=1738151571)
▪️جاء إتفاق بورتسودان في توقيت بالغ الأهمية، حيث تشهد العلاقات السودانية – الجنوب سودانية توترات متصاعدة، وسط محاولات قوى إقليمية ودولية لإستغلال الأزمة بين البلدين لتعزيز نفوذها في جنوب السودان والتأثير على توازنات المشهد الإقليمي، ويتزامن الاتفاق مع عدة تطورات لافتة، أبرزها تفاقم أزمة “الكنابي” وما تبعها من توتر في العلاقة بين البلدين، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الجنوب سوداني في نيويورك، التي عكست تراجع التزام جوبا بمراعاة مصالح السودان الأمنية والسياسية.
▪️علاوة على ذلك، جاءت زيارة “سلفاكير” إلى الإمارات لتؤكد المساعي الإماراتية لفرض وصايتها على القرار السياسي في جوبا، حيث شهدت الزيارة توقيع صفقة نفطية تعكس محاولات أبوظبي لتعزيز نفوذها في الجنوب عبر السيطرة على موارده الاستراتيجية. هذه التطورات تؤكد أن جنوب السودان بات ساحة تنافس إقليمي يستدعي تحركًا سودانيًا حاسمًا لضبط المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة بما يخدم أمنه القومي.
▪️وفي هذا السياق، جاء توقيع اتفاق السلام بين حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية المعارضة (جناح كيت قوانق) في بورتسودان ليؤكد على الدور المحوري الذي لا يزال السودان قادرًا على لعبه رغم التحديات الداخلية. كما تزامن الاتفاق مع إصدار وزارة الخارجية السودانية بيانًا قويًا في ٥ فبراير ٢٠٢٥، أدان فيه تورط مرتزقة من جنوب السودان في دعم مليشيا الدعم السريع، مما يعكس حجم التهديدات التي تواجه الأمن القومي السوداني، ويبرز أهمية التحركات السودانية لضبط التوازنات الإقليمية.
الأبعاد الاستراتيجية للاتفاق
▪️يؤكد إتفاق بورتسودان صحة التقديرات السودانية بشأن ديناميكيات الصراع في جنوب السودان، ويعكس أن الخرطوم لا تزال لاعبًا محوريًا قادرًا على التأثير في توازنات المنطقة رغم الحرب الداخلية. الاتفاق، الذي رعاه جهاز المخابرات العامة السوداني، لم يأتِ فقط كخطوة سياسية عابرة، بل جاء مدعومًا بتقييم دقيق لحجم التهديدات القادمة من الجنوب، وهو ما أكدته وزارة الخارجية السودانية في بيانها الصادر في 5 فبراير 2025، حيث أدان البيان تورط مرتزقة من جنوب السودان في دعم ميليشيا الدعم السريع، مما يهدد الأمن القومي السوداني.
▪️لم يقتصر بيان الخارجية السودانية على الإدانة، بل كشف عن فشل حكومة جوبا في السيطرة على تدفق المقاتلين عبر الحدود، الأمر الذي اعتبرته الخرطوم تجاوزًا خطيرًا يستوجب الرد الحاسم. هذا الموقف السوداني يثبت أن الخرطوم لم تكن مخطئة في قراءتها للوضع في جنوب السودان، بل كانت تدرك مسبقًا أن بعض القوى الخارجية تحاول استغلال هشاشة الدولة الجنوبية لإعادة توجيه سياساتها الداخلية بما يخدم أجنداتها الخاصة.
*_إعادة ترتيب التحالفات داخل جنوب السودان_*
▪️في ظل هذه التطورات، بات من الواضح أن السودان لا يمكنه الاكتفاء بموقف المتابع للأحداث في جنوب السودان، بل أصبح التدخل المباشر في المشهد الجنوبي ضرورة استراتيجية لضمان عدم وقوع الجنوب تحت سيطرة القوى الخارجية التي تسعى لتوظيفه ضد الخرطوم. إن تصاعد النفوذ الإماراتي ومحاولاته التحكم في القرار السياسي لجنوب السودان، إلى جانب استمرار الدعم اللوجستي المقدم من جوبا لميليشيا الدعم السريع، يجعل من الضروري أن يعيد السودان ترتيب تحالفاته داخل جنوب السودان، بما يضمن تحجيم هذا النفوذ الخارجي وإعادة توجيه السياسة الجنوبية نحو ما يخدم الاستقرار الإقليمي المشترك.
*_بيان الخارجية السودانية: رسالة تحذير وإعادة ضبط للعلاقات_*
▪️لم يكن بيان وزارة الخارجية السودانية مجرد إدانة دبلوماسية تقليدية، بل جاء بمثابة رسالة تحذيرية واضحة لحكومة جنوب السودان، إذ كشف عن فشل جوبا في ضبط حدودها ومنع تدفق المقاتلين إلى الداخل السوداني. كما أشار البيان إلى أن استمرار دعم جوبا لمليشيا الدعم السريع يُعد تجاوزًا خطيرًا يستوجب ردًا حاسمًا.
▪️هذا البيان، المتزامن مع اتفاق بورتسودان، يُؤكد صحة القراءة السودانية لطبيعة الأزمة في جنوب السودان، حيث يدرك السودان أن بعض القوى الخارجية تحاول استغلال هشاشة الدولة الجنوبية لتوجيه سياساتها بما يخدم أجنداتها الخاصة، وهو ما يستدعي تحركًا دبلوماسيًا وأمنيًا أكثر حزمًا.
إعادة ترتيب التحالفات: أولوية التدخل السوداني في المشهد الجنوبي
▪️بات واضحًا أن السودان لا يستطيع الاكتفاء بدور المراقب فيما يجري داخل جنوب السودان، بل أصبح التدخل المباشر ضرورة استراتيجية للحيلولة دون وقوع الجنوب تحت سيطرة قوى خارجية تسعى لتوظيفه ضد الخرطوم. في ظل التصاعد المستمر للنفوذ الإماراتي في جوبا، حيث باتت أبوظبي تستخدم نفوذها الاقتصادي للهيمنة على القرار السياسي الجنوبي، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح السودانية ، إضافة لاستمرار تدفق الدعم اللوجستي من جنوب السودان إلى مليشيا الدعم السريع، وذلك في ظل ضعف قدرة حكومة جنوب السودان على السيطرة على أراضيها، حيث باتت مناطق واسعة من جنوب السودان خارج سيطرة الدولة المركزية، مما يتيح المجال لمجموعات مسلحة غير منضبطة لاستغلال هذه المساحات في تهديد الأمن السوداني.
*_رسائل السودان إلى المجتمع الدولي_*
▪️لا تقتصر تحركات السودان على الداخل الإقليمي فقط، بل تمتد إلى الساحة الدولية، حيث يبعث اتفاق بورتسودان وبيان الخارجية برسائل واضحة للمجتمع الدولي مفادها:أن السودان لا يزال فاعلًا إقليميًا مؤثرًا وقادرًا على ضبط التوازنات رغم الحرب الداخلية التي يخوضها، أن الخرطوم لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء استخدام جنوب السودان كأداة لاستهداف أمنها القومي ، أن السودان يمتلك من الأدوات السياسية والأمنية ما يمكنه من إدارة ملفاته الإقليمية بفعالية، وأنه لن يسمح للقوى الخارجية بإعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة على حساب مصالحه.
*_ما يجب على السودان فعله
تعزيز العلاقات_ القوى*
* الجنوبية المعارضة للتدخلات الخارجية و دعم الفصائل الجنوبية التي ترفض التدخلات الخارجية، بما يتيح له تقليص النفوذ الإماراتي وضمان عدم استخدام الجنوب كساحة لاستهداف الخرطوم.
* التعزيز السياسي في جوبا عبر قنوات متعددة بدلًا من التعامل مع حكومة جوبا ككتلة واحدة، واستخدام الأدوات الدبلوماسية والاستخباراتية للتأثير على مراكز القوى المختلفة داخل جنوب السودان، بما يخدم إعادة توجيه سياسته الخارجية.
* تحريك ملف الحدود والتعاون الأمني المشترك و الاستفادة من اتفاق بورتسودان لدفع جوبا نحو التزامات واضحة فيما يخص ضبط الحدود، ووقف تسلل المقاتلين إلى السودان، ووقف أي دعم لوجستي للمتمردين السودانيين.
* مواصلة الضغط الدبلوماسي عبر المنظمات الإقليمية والدولية باستغلال المنابر الإقليمية لتسليط الضوء على المخاطر الأمنية الناجمة عن التدخلات الأجنبية في جنوب السودان، ودفع المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الدول التي تسعى لاستخدام الجنوب كأداة لزعزعة استقرار السودان.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️بناءً على ما ورد في اتفاق بورتسودان وبيان وزارة الخارجية السودانية، يتضح أن السودان قادر على إعادة ضبط التوازنات الإقليمية بما يخدم مصالحه الحيوية. إن التحركات السودانية، سواء عبر الاتفاقات السياسية أو البيانات الدبلوماسية، تؤكد أن الخرطوم تدير أزماتها الإقليمية برؤية استراتيجية تهدف إلى تحجيم التدخلات الخارجية وإعادة توجيه السياسة الجنوب سودانية نحو الاستقرار المشترك، بما يعزز الأمن القومي السوداني ويمنع استخدام الجنوب كأداة تهديد في يد قوى إقليمية تسعى لتحقيق أجنداتها الخاصة.
▪️يمثل اتفاق بورتسودان نقطة تحول في إدارة السودان لعلاقته بجنوب السودان، إذ إنه ليس مجرد وثيقة سياسية، بل أداة استراتيجية لضبط المشهد الأمني والإقليمي. من خلال هذا الاتفاق، وجّه السودان رسالة واضحة مفادها أنه لن يسمح بأن يكون جنوب السودان منصة لاستهداف أمنه القومي، وأنه مستعد لاستخدام كافة أدواته لضمان حماية مصالحه الوطنية.
▪️تتسق خلاصتنا هذه مع خلاصات سابقة حول تأثير الأزمة في جنوب السودان على السودان،حيث تبقى الدبلوماسية السودانية هي البوابة الأساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وعليه، يتطلب الأمر أن تكون العلاقة مع جنوب السودان جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز السلام الداخلي والخارجي، بما يتوافق مع المصالح الوطنية السودانية في المقام الأول.