نصيحتي لله … هنالك أخطاء يجب أن تراجع ومفاهيم يجب أن تصحح.. بقلم: أبوبكر الشريف التجاني

بسم الله نبتدئ، وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم نقتدي.
يقول ﷺ: الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
النصيحة أمر عظيم لا يتقبلها إلا رجل عظيم. كان سلفنا الصالح يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه النور الذي يستهدون به، والمرآة الحقيقية التي يرون فيها أفعالهم وأرواحهم وأشكالهم وصورهم، لذلك لم يضلوا.
فالمرآة غير الحقيقية قد تعكس صورتك مقلوبة، بمعنى أن تشاهد يمينك على أنه شمالك والعكس صحيح، وهذا حال نصيحة معظم الناس أحيانًا، إذ تكون غير حقيقية كالمرآة المشوهة. أما مرآة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، أي أن نصيحته صادقة وواضحة لا غموض فيها. وكذلك مرآة المؤمن لأخيه تكون حقيقية لأنها اقتبست من نور مرآة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا جاءوا صادقين في تناصحهم، يتقبلون النصيحة فيما بينهم دون تعالٍ أو تكبر.
طمن مدارسهم في النصيحة، عندما تولى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر الخلافة، خشي أن تهلك أمة محمد على يديه، وامتلأت المدينة بالمنافقين. فصاح عمر: “ائتوني بحذيفة بن اليمان، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن حذيفة يعرف المنافقين”
فأُحضر له حذيفة من الكوفة، فقال له عمر: “يا حذيفة، أرني المنافقين في المدينة، أخشى أن تهلك أمة محمد على يدي، ليت لم تلد أم عمر عمرًا!”

ولم يكن هناك وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال حذيفة: “هذا سر أودعه فيَّ رسول الله، ولا أريد أن أفشي سر رسول الله.”

فقال عمر: “أرني إمارة الفتنة.”
فقال حذيفة: “إن الفتنة بينها وبينك باب يا عمر.”
فسأل عمر بصوت عالٍ: “يُخلع الباب أم يُكسر؟”
قال حذيفة: “يُخلع الباب.”

فأدرك عمر أن المقصود هو مقتله، فقال: “إذن لا تقف الفتن.”
ثم سأل حذيفة: “يا حذيفة، هل ترى في وجه عمر شيئًا من النفاق*؟”
فنظر حذيفة إلى وجه عمر، فبكى سيدنا حذيفة، ثم بكى معه سيدنا عمر.
هذا هو حال سلفنا الصالح في النصيحة.
نصيحتي لله ولأهل السودان جميعًا:
قيادةً وشعبًا، سياسيين وأحزابًا، رجالًا ونساءً، شبابًا وشيوخًا، “اعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا فتذهب ريحكم.”
اعتصموا حول قيادتكم وقواتكم المسلحة، فهي آخر ما تبقى من السودان العظيم، وهي الحامي لترابه ومقدراته وكرامته ووحدته.
هنالك أخطاء يجب أن تُراجع ويُعترف بها، ونعالجها بحكمة ودراية ووطنية، وهنالك مفاهيم يجب أن تُصحح بثقة وتوافق، فقد كانت هذه المفاهيم الخاطئة سببًا لهذه الحرب وما قبلها.
*عندما وقعت هذه الحرب،* تكشفت لنا حقائق عظيمة، لعلها تكون لنا عبرة وموعظة لإعادة إعمار السودان الجديد، وفق مفاهيم الدول الرائدة.

لكننا لا نزال نعيش في صراع مستمر، نتقاتل ونتناحر، ويسحل بعضنا بعضًا، ويكره بعضنا بعضًا، ونخوض جدالات عقيمة حول قضايا لا طائل منها:
هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟
ضاع أهل السودان بين صراعاتكم وانتهازياتكم وفسادكم السياسي والإداري. بفسادكم وسوء إدارتكم، أصبح العالم لا يحترمنا، وعشنا هذا الشعور وتلمسناه حين وقعت هذه الحرب، حتى منظمات الأمم المتحدة ودول العالم لم تهتم بأمرنا، بل تركونا نموج في بعضنا البعض هرجًا ومرجًا.
لماذا جررتم السودان ستين عامًا من الحروب والفوضى السياسية والخراب والدمار؟
بعضكم سولت له نفسه أن يصبح عميلًا، ويمارس “دعارة السياسة” بوقاحة، طلبًا للوجاهة والزعامة.
تموت الحرة ولا تأكل بثدييها، فبئس من أكلتم من لحوم شعبكم خيانةً وغدرًا.

لقد فقدنا احترام العالم لنا لأننا أصبحنا عملاء لوطننا بسبب غبائنا وتوهمنا السياسي.
متى نفيق من هذا التوهان؟ متى نعود إلى رشدنا ونعرف قدرنا حتى يحترمنا العالم؟

نصيحتي لله ، لكل الشعب السوداني: “كلنا أجرمنا، وكلنا أخطأنا في حق هذا الوطن.”
فلنعترف جميعًا ونتب إلى الله.
بسبب سوء التخطيط والتنظيم لحياتنا السياسية والعملية والاقتصادية والثقافية، فقدنا كل شيء، حتى احترام العالم لنا.
أما السياسيون السودانيون، فهم أولى الناس بهذه النصيحة.
هناك دول جوار أقرب إلينا ثقافةً وشعبًا، وتربطنا بها مصالح مشتركة، لكنها أدركت حقيقة إدارة وحكم بلادها وشعبها، وما يناسبها من أنظمة، فحرصت على استقرارها السياسي، الذي كان أساسًا لاستقرارها الاقتصادي.
هذه الدول تعمل تحت قيادة قواتها وأمنها وجيشها، بعيدًا عن الفوضى السياسية وتوهم الديمقراطية والمدنية.
ما يناسب السودان اليوم:
نظام حكم مستقر، مبني على نظام رئاسي انتخابي مضبوط، تحت إشراف القوات المسلحة، إلى جانب مجلس وزراء وبرلمان منتخب، على غرار النظم الملكية في الوطن العربي.
هذه الأنظمة أثبتت نجاحها، وهي أكثر تطورًا واستقرارًا من الدول التي تطالب شعوبها بالديمقراطية والمدنية،

الله المستعان، والسلام على من اتبع الهدى.

مقالات ذات صلة