وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي يكتب : سوق صابرين : مأساة متجددة بحجم الخذلان ؟!
شهد السودان تصعيدًا جديدًا في الحرب المستمرة ، حيث استهدفت مليشيا الدعم السريع أمس سوق صابرين في أم درمان والأحياء المجاورة للمرة الثالثة بقصف مدفعي مكثف ، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح . تفاقم الوضع الإنساني في مستشفى النو الذي استقبل أعدادًا متزايدة من المصابين وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية والمعدات ، مما يعكس حجم الأزمة المتصاعدة في العاصمة الخرطوم و المأساة المتجددة بحجم الخذلان التي يعيشها السودانيين من مجتمع دولي لا يجيد سوى بيانات الشجب والإدانة .
يبدو أن القصف لم يكن مجرد استهداف عشوائي ، بل جاء ضمن استراتيجية مدروسة تمثل الخطة البديلة التي أعلن عنها قائد المليشيا لتوسيع رقعة الفوضى وإضعاف الثقة في قدرة الجيش السوداني على تأمين المناطق المدنية . يتكرر هذا الأسلوب من الهجمات عقب كل خسارة تتكبدها المليشيا في الميدان ، في محاولة للانتقام من السكان وإثارة الذعر . كما أن استخدام “المندسين” داخل الأحياء السكنية لتوجيه القصف يعكس نمطًا من الحروب غير التقليدية ، التي تقوم على تقويض الاستقرار من الداخل ، وليس عبر المواجهات المباشرة .
وسط هذه التطورات ، عقد مجلس الأمن الدولي أمس الأول جلسة مغلقة لمناقشة الوضع في السودان حيث شدد المبعوث الأممي رمطان العمامرة على ضرورة “خفض التصعيد” وضمان حماية المدنيين ، مجددًا التأكيد على أن “الحل يكمن في عملية سياسية يقودها السودانيون”. دون الاستجابة لمطالب الحكومة السودانية المشروعة والتي يصدقها الواقع بضرورة تصنيف المليشيا كجهة إرهابية وملاحقة داعميها دولياً فالبيانات الدبلوماسية ، رغم قوتها اللفظية ، لم تترجم إلى خطوات عملية للضغط على المليشيا وداعميها الإقليميين لوقف امدادها بالسلاح الذي تقتل به السودانيين .
في دارفور رغم الإدانة المرحب بها من قبل الحكومة السودانية التي قامت بها عدد من الدول العربية والجامعة العربية والأمين العام للأمم المتحدة ورغم تصاعدت المخاوف الدولية مع استمرار حصار الفاشر من قبل مليشيا الدعم السريع ، وسط تزايد الهجمات على البنية التحتية المدنية ، ومنها مستشفى الولادة التعليمي السعودي ، الذي استُهدف في 24 يناير ، ما أدى إلى مقتل أكثر من 70 شخصًا . أدان مجلس الأمن هذه الهجمات ، مطالبًا المليشيا بفك الحصار إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى استمرار العنف واستهداف المدنيين ، ما يجعل تنفيذ هذه المطالب محل شك . هذه التعقيدات تجعل من المهم الإشارة إلى التدخلات الخارجية التي تدعم المليشيا . حتي يصبح بالأماكن معالجة الأزمة السودانية .
وسط هذا المشهد المعقد ، تبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي الأمني وسط المواطنين ، ليس فقط من منظور عسكري ، بل بوصفه منظومة شاملة تشمل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي . وكما أشار خبراء أمنيون فإن تنمية الوعي الأمني تتطلب تكاملاً بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ، بهدف مواجهة التهديدات المتزايدة .
في ظل تصاعد استهداف المدنيين ، كما حدث في مجزرة سوق صابرين التي أسفرت عن مقتل نحو 60 شخصًا ، يصبح دور المجتمع في مساعدة الأجهزة الأمنية أمرًا بالغ الأهمية. فالهجوم لم يكن مجرد قصف عشوائي ، بل تم بناءً على “تصحيح الإحداثيات” من داخل الأحياء السكنية بواسطة مندسين ، ما يشير إلى أساليب خفية تُستخدم لإرباك المشهد الأمني وتقويض الثقة في قدرة الجيش على حماية المدنيين .
يتطلب التصدي لهذا النوع من التهديدات تعزيز وعي المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة أو عناصر مشكوك في ولائها تعمل على تغذية النزاع من الداخل . فالتعاون بين المجتمع والأجهزة الأمنية يسهم في كشف المندسين وإجهاض مخططات زعزعة الاستقرار ، لا سيما في ظل استخدام المليشيات لأساليب غير تقليدية في الحرب ، مثل زرع عناصرها داخل المناطق الآمنة لتوجيه الضربات نحو الأهداف المدنية .
في سياق الاعتداءات المستمرة التي تستهدف المدنيين ، تفقد مدير شرطة ولاية الخرطوم، الفريق شرطة (حقوقي) أمير عبد المنعم ، الأوضاع في سوق صابرين عقب الهجوم العشوائي الذي شنّته ميليشيا الدعم السريع المتمردة . وأكد أن هذه الاعتداءات تعكس الطابع الإجرامي المتصاعد لهذه الجماعات ، مشددًا على ضرورة تأمين السوق وحماية ممتلكات المواطنين. كذلك وصل والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة الي المستشفى ووعد بالوقوف مع أسر الشهداء والمصابين .
وعلى المستوى الرسمي ، أدانت الحكومة السودانية علي لسان وزير الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الإعيسر الهجوم الإرهابي الذي أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء ، من بينهم نساء وأطفال ، فضلًا عن الدمار الواسع الذي طال الممتلكات العامة والخاصة . واعتبرت الحكومة أن هذا الاعتداء امتداد لسجل الجرائم التي ارتكبتها الميليشيا في الفاشر ومعسكرات النازحين والأحياء السكنية ، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني. كما دعت المجتمع الدولي إلى تصنيف الميليشيا كمنظمة إرهابية ومحاسبة قيادتها والدول الداعمة لها ، مؤكدة التزامها بحماية المدنيين ودعم القوات المسلحة السودانية في جهودها لاستعادة الأمن والاستقرار .
عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن تطورات الحرب في السودان تؤكد أن استمرار غياب الحضور الدولي والاقليمي عن إدانة المليشيا وداعميها وتصنيفها منظمة إرهابية إذا تأخر أكثر من ذلك فلن تنجح أي حلول تقدمها بيانات الإدانة بل سوف يمضي الأمر بالمليشيا إلى مزيد من الانتهاكات الوحشية معتمدة على هذا الموقف الدولي المتردد بين الإدانة الدبلوماسية والغياب الفعلي عن المشهد . كذلك علي السودانين رفع وعيهم الأمني بالمهددات والأساليب البائسة التي تتخذها المليشيا وداعميها لصناعة الفوضى والحيلولة دون انتهاء الحرب .
دمتم بخير وعافية .
الاحد 2 فبراير 2025 م. Shglawi55@gmail.com