خبر و تحليل – عمار العركي : إمتحانات الشهادة السودانية: أسبوعان يعكسان واقع سنتين من الحرب
* اليوم وبحمد الله إنطوي سجل إمتحانات لا تُنسى، ولن تتكرر قريباً، دارت على مدار الأسبوعين الماضيين، كانت إمتحانات الشهادة السودانية تجسيدًا حيًا لملامح متعددة من الصمود والشجاعة. تجمع الطلاب من مناطق مختلفة في ظل ظروف قاسية، متحدين القصف العشوائي والتهديدات الأمنية، ليؤكدوا أن إرادة الشعب السوداني لا تعرف المستحيل. هذه التجربة كانت أشبه بمعركة يومية، حيث كان الطلاب، مثل الجنود، يسيرون نحو مراكز الامتحانات في تحدٍ للعوامل الطبيعية والبشرية. تجسدت في هذه اللحظات صورة الوطن الذي لا يلين، حيث قدمت الأسر الدعم والمساعدة، والمعلمون أصروا على الوفاء برسالتهم رغم التحديات.
* ورغم تعدد مشاهد وصور التجسيد لهذا الصمود والبطولة، فإن ضيق المساحة يحول دون ذكر جميع التفاصيل، لكن لا شك أن بعضها يتجسد في الصور التي تعكس إرادة الوطن في مقاومة الظروف القاسية. مثل مشهد الطالبات والطلاب وهم يعبرون من مناطق ملتهبة إلى مراكز الامتحانات، متحدين المخاطر، أو مشهد المعلمين الذين ظلوا صامدين في مراكز الامتحانات رغم تهديدات الحرب. كما أن روح العزيمة التي ظهرت في وجوه الطلاب وهم يتحدون المخاطر للوصول إلى مراكز الامتحانات تشبه تلك الروح التي رأيناها في المقاتلين وهم يتركون أسرهم متجهين للدفاع عن الوطن.
*معركة الامتحان: تجسيد لمعركة الميدان*
* في مشهد أعاد للأذهان الأيام الأولى للحرب، شاهدنا تجمع الطلاب والطالبات من مناطق متعددة في ظروف قاسية، متحدين القصف العشوائي الذي استهدف الأحياء الآمنة. هذا المشهد الذي ظهر في منطقة أم درمان وكرري كان شبيهًا بما حدث عندما تجمع أفراد هيئة العمليات المسرحين متوجهين نحو قاعدة كرري لخوض معارك الميدان في بداية الحرب.
* كما أن روح العزيمة التي ظهرت في وجوه الطلاب وهم يتحدون المخاطر للوصول إلى مراكز الامتحانات تشبه تلك الروح التي رأيناها في المقاتلين وهم يتركون أسرهم متجهين للدفاع عن الوطن.
*إرادة الراحل الحوري: رمز للصمود والتحدي*
* لقد كانت الإرادة الوطنية التي جسدها وزير التربية والتعليم الراحل محمود سر الختم الحوري واحدة من أبرز الملامح التي قادت هذه الملحمة. ففي الوقت الذي كانت فيه الحرب في أوجها، أصر الحوري على إقامة الامتحانات، متحديًا جميع الظروف ومؤمنًا بأن التعليم يمثل خط الدفاع الأول لبناء الوطن وحماية مستقبله.
* اليوم، ومع اختتام هذه التجربة، تحقق ما كان يؤمن به الراحل الحوري، حيث أثبتت الإرادة الشعبية والرسمية معًا أن لا قيد يمكن أن يكبل عزيمة الشعب السوداني، ولا مستحيل يمكن أن يقف في وجه طموحاته.
*ملامح المعركة الوطنية في أسبوعين*
* تحرك طُلابي جماعي، كتحرك أبناء القوات المسلحة والمعاشيين والمقاومين الشعبين، الذين تجمعوا في أولى أيام الحرب للدفاع عن الوطن، تجمع الطلاب في مراكز الامتحانات بروح وطنية تتحدى الصعاب. كانت هذه المراكز شبيهة بمواقع القتال، حيث عمل الجميع يدًا بيد لضمان نجاح المهمة.
* الأسر التي بذلت جهودًا مضاعفة لضمان وصول أبنائها إلى مراكز الامتحانات ، والمعلمون والمسؤولون الذين و قفوا إلى جانب الطلاب في هذه الظروف، يعكسون ذات الروح التضامنية التي أظهرتها العائلات السودانية وهي تقدم أبناءها لمواجهة الميليشيات الإرهابية.
* القصف العشوائي الجبان الذي استهدف بعض المناطق خلال فترة الامتحانات كان محاولة جبانة لتعطيل العملية التعليمية، لكنه فشل كما فشلت محاولات الميليشيات سابقًا في إضعاف الروح الوطنية.
*معركة الانتصار للصمود الوطني*
* أسبوعا الامتحانات لم يكونا مجرد فترة أكاديمية، بل اختبارًا وطنيًا لإرادة السودان وشعبه، أظهر فيها الجميع أن الوطن قادر على الصمود في وجه التحديات. كما استطاع الطلاب وأسرهم، إلى جانب القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، إنجاح هذه المهمة، تمامًا كما نجحت الجهود الوطنية في التصدي لمحاولات تفتيت السودان طوال سنوات الحرب.
*منع شمس في البداية… وشمس أشرقت في النهاية*
* نستميح شمس السماء عذراً أن تتوقف عن الشروق، “فشمس عبدالحافظ” أشرقت بداية الإمتحانات، كانت الطالبة “شمس” تُواجه معركة من نوع مختلف، لا تتعلق فقط بتحدي ظروف الحرب أو مشقة الامتحانات، بل بصراع مع التعنت والظلم، منعها الرئيس التشادي – كاكا – المتجبر وثلاثة عشر ألف آخرين، من عبور الحدود المضطربة للوصول إلى السودان لأداء امتحاناتها في أمان. في مشهد يعكس تسلُط واستبداد الطغاة الذين لا يرون في البشر سوى أدوات لتحقيق غاياتهم، وقف “كاكا” المُحصن في قصره يظن أن سلطته المطلقة تمنحه القدرة على التحكم في مصائر الناس.
* لكن في اليوم الأخير من الامتحانات، وبينما كانت “شمس” تؤدي آخر اختباراتها، كان “كاكا” يرتعب بعد أن أغارت جماعات مسلحة على قصره الحصين، ليجد نفسه محاصرًا ومهددًا، في اللحظة التي كان يظن فيها أنه في مأمن.
*شمس المعنويات تنتصر على كاكا الاستبداد*
* القصة ليست مجرد صدفة عابرة، بل هي تجسيد لمعادلة الحياة التي تقول إن الظلم مهما اشتد لا يدوم، وإن الصمود في وجه القهر هو الخطوة الأولى نحو النصر. شمس، التي تجاوزت عقبات الحدود والتحديات، لم تكن فقط طالبة تبحث عن شهادة، بل كانت رمزًا لإرادة السودانيين وشجاعتهم في مواجهة الاستبداد.
* أما “كاكا”، الذي ظن أن قصره الحصين يحميه من عدالة السماء، فقد أدرك متأخرًا أن من يمنع النور عن الآخرين سيجد الظلام يحاصره في النهاية.
*خلاصة القول ومنتهاه*
* امتحانات الشهادة السودانية لهذا العام كانت أكثر من مجرد اختبار دراسي؛ كانت ملحمة وطنية جسدت معاني الصمود والوحدة في وجه الظروف. هذه التجربة الوطنية أثبتت أن الشعب السوداني قادر على التكيف مع واقعه وتحويل التحديات إلى انتصارات، تمامًا كما فعل خلال سنتي الحرب.
* السودان، الذي رأينا فيه طلابًا يتوجهون إلى الامتحانات تحت القصف وأسرًا تقدم الدعم رغم كل شيء، هو السودان الذي لن يُهزم أبدًا. هذه الروح الوطنية هي مفتاح المستقبل المشرق الذي ينتظر أبناء هذا الوطن ونحنا عشمك ياوطن