أماني الطويل : أي مستقبل ينتظر حرب السودان في 2025؟ تحليل
لا تزال طبيعة التفاعلات الداخلية في السودان تحافظ على حالة الاستقطاب الشديد، ولم تتمكن من تجاوزها رغم الخسائر المرتبطة بهذه الحرب، والتي يُقدّر أنها تبلغ حوالي 150 مليار دولار، بالإضافة إلى التكلفة الإنسانية الكبيرة، المتمثلة في النزوح الداخلي واللجوء الخارجي لأغلب السكان الذين فقدوا إمكانياتهم تمامًا، مما جعل حوالي 60% من إجمالي عدد السكان السودانيين يعانون من الجوع.
مع اقتراب نهاية عام 2024، يبرز سؤال على نطاق واسع في السياقات الداخلية والخارجية حول إمكانية تحقيق السلام في السودان، وذلك بسبب استمرار التعقيدات بين أطراف النزاع في الداخل. وقد ظهرت توجهات لتشكيل حكومة منفى في غرب السودان، مما يعني فعليًا الإعلان عن تقسيم البلاد، ولكن دون علم أو نشيد. تشير مؤشرات وقف إطلاق النار إلى أن الجهود الدولية والإقليمية تتركز تقريبًا على ما يُتَوَقَّع أن يُستأنف مع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في مطلع العام الجديد. وقد تم الإعداد لهذه الخطوة خلال اجتماع عُقد في روما على هامش قمة السبع بين الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، وذلك بعد أن فشلت بريطانيا في تمرير مشروع قرار لوقف إطلاق النار عبر مجلس الأمن الدولي، بسبب استخدام موسكو حق النقض (الفيتو) ضد هذا المشروع، في سياق صراعها مع واشنطن ردًا على السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى من قبل الغرب. وقد رحبت بعض الأطراف في المجلس السيادي السوداني بذلك، معتبرةً أن مشروع القرار البريطاني جاء نتيجة مشاورات بين رئيس الوزراء المدني عبدالله حمدوك، الذي يقود حاليًا تحالف المعارضة “تنسيقية تقدم”، وهو ما يرفض الجيش اعتباره إنجازًا للمعارضة المدنية.
السودان يعيش الاستقطاب
على صعيد آخر، يقوم رمطان لعمامرة، المبعوث الأممي للسودان، بجهود لتنسيق المبادرات بين المنظمات المعنية بعمليات السلام في السودان، مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة الإيجاد، بالإضافة إلى الأمم المتحدة. وقد تمكن من تنظيم ثلاثة اجتماعات في كل من القاهرة وجيبوتي وغانا، وقدم نتائج هذه الاجتماعات للفريق عبدالفتاح البرهان في بورتسودان، الذي أبدى توافقه مع هذه الجهود الأممية، لكنه لم يوضح الآليات المحددة لهذا التوافق أو موقفه من تفاصيل الرؤية الأممية. على المستوى الإقليمي، يُسعى إلى لعب دور في صياغة معادلة اليوم التالي للحرب، من خلال العمل على تحقيق توافق بين القوى المدنية السودانية لتحديد الأطراف المعنية في العملية السياسية السودانية، التي تُعتبر واحدة من أبرز القضايا في الصراع السياسي الحالي في السودان، حيث إنها تُحدد موازين القوى الداخلية في المستقبل القريب. وقد بدأت هذه الجهود في القاهرة في يوليو (تموز) 2024، ومن المتوقع أن تُستكمل في مطلع 2025 من خلال اجتماع ثانٍ في القاهرة، يُفترض أن يتم فيه توسيع المشاركة السياسية السودانية. على مستوى السعودية، أبدت الرياض في الاجتماع التشاوري الثالث بين المنظمات المتعددة الأطراف التي تدعم مبادرات السلام في السودان، موقفاً يتكرر في جميع المنصات الدبلوماسية. وتؤكد على ضرورة إنهاء الصراع وتعزيز الاستجابة الإنسانية، بالإضافة إلى السعي لتمهيد مستقبل سياسي يضمن أمن السودان واستقراره، ويحافظ على وحدته وسيادته واستقلاله. التحدي الرئيسي الذي يواجه هذه الجهود حالياً هو طبيعة التفاعلات الداخلية في السودان، التي لا تزال تحتفظ بحالة من الانقسام الحاد، ولم تتمكن من تجاوزها بالرغم من الخسائر الناتجة عن هذه الحرب، والتي تقدر بحوالي 150 مليار دولار.
بالإضافة إلى التكلفة الإنسانية العالية، بما في ذلك النزوح الداخلي واللجوء الخارجي لمعظم السكان الذين فقدوا وسائل عيشهم بالكامل، مما جعل حوالي 60% من إجمالي السكان في السودان يعانون من الجوع. يمكن ملاحظة بعض مظاهر الاستقطاب السياسي مؤخرًا بين أطراف النزاع في السودان، حيث أن الجيش قد حقق انتصارات في بعض مناطق الخرطوم وأم درمان، بالإضافة إلى مناطق في شرق ووسط السودان. ورغم ذلك، فإنه يتبنى سياسات تعزز من الاستقطاب الداخلي العسكري والسياسي والاجتماعي ولا تقلل منه. وذلك يتضح من خلال سياسات مثل إصدار قانون تغيير العملة السودانية، في محاولة لتقليص قدرات قوات “الدعم السريع” وحواضنها الاجتماعية على الصعيد المالي. وهذا يأتي في تجاهل لحقيقة أن قطاعات واسعة من الشعب السوداني تعيش في الولايات التي تحت سيطرة “الدعم السريع”، حيث إن بعضها ينتج موارد قيمة مثل الذهب والصمغ العربي، مما يتيح التعامل بعملات أخرى في هذه المناطق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الممارسات من قبل بعض العناصر المرتبطة بالقوات النظامية، الناتجة عن تطبيق قانون الاشتباه، تُعتبر أداة قوية تعزز من هشاشة التماسك الاجتماعي في السودان، حيث يعتمد تنفيذها على مظهر الوجوه ولهجاتها اللغوية.
حكومة منفى للمعارضة
على صعيدٍ موازٍ، لم يُحقق المؤتمر الأخير لتحالف المعارضة “تنسيقية تقدم”، الذي عُقد في كمبالا، أي تقدم في تعزيز فكرة المائدة المستديرة، التي تم طرحها بشكل محتشم في مؤتمر سابق. وكان هذا يعني إمكانية إدماج بعض عناصر الإسلام السياسي السوداني في عملية حوار وطني ضروري لترتيب معادلة سياسية يمكن أن تساعد في إنهاء الحرب. على عكس المحاولات المتعلقة بتوحيد الصفوف في العملية السياسية، طرح اجتماع “تقدم” فكرة إنشاء حكومة للمنفى للمعارضة، وهي فكرة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ الصراعات السياسية في السودان منذ استقلاله عام 1956. تتبنى تنسيقية تقدم فكرة حكومة المنفى من قبل المكون الدارفوري مع بعض الاختلافات الإقليمية.
ومن بين هؤلاء، يوجد أعضاء سابقون في المجلس السيادي ووزراء في حكومتي عبدالله حمدوك، بالإضافة إلى دعم غير معلن من قيادات بارزة في أحزاب سياسية. يطرح هذا الاتجاه فكرة إنشاء حكومة منفى للمعارضة تهدف إلى سحب الشرعية من حكومة الفريق عبدالفتاح البرهان، وتمثيل جميع المجموعات المعارضة للحرب، والداعية إلى العودة إلى المسار الديمقراطي. ويعتمد ذلك على أن قوات الجيش السوداني لا تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، مما يستلزم الاستفادة من هذه الوضعية، وممارسة سلطة مدنية تتولى تقديم الخدمات والرعاية للمواطنين بعيدًا عن سيطرة حكومة بورتسودان، وذلك في ظل المعاناة الكبيرة التي يواجهها المدنيون حاليًا من جهة وممارسات قوى الإسلام السياسي المؤيدة للجيش من جهة أخرى، والتي تروج لتشويه سمعة القوى السياسية السودانية من خلال اتهامها بالعمالة للخارج. على الرغم من التحديات التي تواجه فكرة حكومة المنفى السودانية المقترحة، والتي تتضمن أولاً الاعتراف بها، ثم ضمان التمويل المستمر لها ثانياً، بالإضافة إلى وجود كوادر فنية مؤهلة لإدارتها ثالثاً، فإن المشاورات حول هذه الحكومة تسير حالياً بوتيرة متسارعة في كينيا بدعم مرجح من دولة عربية تدعم الفكرة، وكذلك في كمبالا التي تستعد لعقد مؤتمر لتنسيقية تُعنى بمناقشة هذا الاقتراح. وقد تم اختيار مدينة الضعين، الواقعة في شمال غرب جنوب السودان والقريبة من الحدود التشادية، لتكون عاصمة حكومة المنفى السودانية خلال هذه المشاورات.
انقسام المعارضة عرقياً
وبناءً على هذه الأحداث، فإن حدوث انقسام داخل تحالف المعارضة قد يصبح محتملًا في مؤتمره القادم المحدد في كمبالا خلال أسابيع. ومن المؤسف أن هذا الانقسام المرتقب سيكون له طابع عرقي، مما يعني أنه قد يؤدي إلى انقسام حقيقي في السودان على أسس عرقية، ومن المحتمل أن تتشكل كيانات متعددة عبر الجغرافيا السودانية. في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الحرب في السودان ستستمر حتى عام 2025 الذي يقترب علينا. رغم الجهود الدولية والإقليمية التي نجحت في محاولة إنشاء منصة للتفاوض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، استنادًا إلى تفاهمات منبر جدة، إلا أن الانقسام المجتمعي أصبح يتزايد بسرعة ويعبر عن نفسه، ويملك وسائل لتنفيذه من خلال الدعم الإقليمي والأفريقي والعربي. لكن قد يغفل أصحاب فكرة حكومة المنفى أن هذا الدعم الظاهر لفكرتهم هو دعم مؤقت ومرتبط بترتيبات دولية متغيرة. ومن المرجح أن هذه الحكومات لن تنال تأييدًا شعبيًا في السودان. وبالتالي، من المتوقع أن تواجه حكومة الضعين مصير الحركات المسلحة في دارفور، التي عانت من التفكك والانقسامات دون أن تتمكن من تقديم بديل حقيقي يمكن للناس الاعتماد عليه في حياتهم اليومية. وبالتأكيد، لا يمكن الاعتماد عليها في جهود التحول الديمقراطي، التي تُستخدم كواجهة لحالة الانقسام المجتمعي والطموح السلطوي.