خبر وتحليل – عمار العركي : أسرار الحرب في السودان المغدور : تقرير رويترز يكشف المستور

▪️نشرت “وكالة رويترز” أمس الخميس، 12 ديسمبر 2024، تقريراً استقصائياً مثيراً أعده الصحفيان المتمرسّان David Lewis وRedd Levinson، اللذان عُرفا على مدار السنوات الماضية بإعداد تقارير معمّقة تكشف تعقيدات المشهد الإفريقي.
جاء التقرير الجديد كاشفاً لدوائر الدعم العسكري والمالي التي تغذي أحد أكثر الصراعات تعقيداً في القارة الإفريقية، الصراع في السودان.
▪️حملت كلمات التقرير نبرة الواثق من معلوماته، مدعومةً بسلسلة من الأدلة والشهادات التي لا تترك مجالاً للشك حول الجهات المتورطة في تأجيج هذا الصراع. ما يُثير الانتباه في التقرير ليس فقط تفاصيله الدقيقة، بل ايضاً توقيته، الذي يأتي في خضم تحولات إقليمية ودولية حساسة، ترسم ملامح مستقبل السودان والمنطقة.
▪️بين سطور التقرير، تُطرح أسئلة أكثر من الأجوبة، أسئلة تطارد القاريء منذ اللحظة الأولى: ما هي القوة “الخفيّة” التي تحمي الأطراف المتورطة رغم الإدانة الدولية؟ كيف تُدير العواصم الإفريقية دورها كمنصات دعم خلفية؟ والأهم، ما هي حدود الصمت الدولي أمام الأدلة الموثّقة التي قدّمها السودان؟

*بين أروقة تقرير رويترز: قراءة في تفاصيل مشهد متشابك*

▪️في أعماق تقرير رويترز تتدفق الأسئلة كالنهر، تتشابك وتتناسل دون توقف، تحمل في طياتها دلالات وأبعاداً لا تنفك تُحرّك المشهد الإقليمي والدولي المرتبط بالسودان. الأسئلة لا تأتي صريحةً، بل تُطل علينا برؤوس خفية، تربك العقل وتثير الفضول، وتكشف عن أبعاد لعبة كبرى لا يظهر منها سوى القليل.

*من أين تأتي جــرأة الإمـارات ؟*

▪️كيف لدويلة بحجم “الإمارات” أن تواصل ضخ الدعم العسكري والمالي لقوات الدعم السريع، متحدية العالم وقوانينه ؟! رغم الأدلة الموثقة والشكاوى الرسمية المرفوعة إلى مجلس الأمن؟! أهي قوة التحالفات الدولية التي توفر لها غطاءً حصيناً؟ أم هو صمت المصالح الذي يطغى على أصوات الإدانة؟.
▪️كل الطرق تقودنا إلى دهاليز السياسة الدولية، حيث المصالح فوق القيم، وحيث حلفاء كالإمارات يتمتعون بمكانة خاصة في معادلة استقرار الطاقة والأمن العالمي. لكن، أليس من العجيب أن يدوم هذا الصمت طويلاً بينما تغرق المنطقة في الفوضى ؟.

*من المستفيد من استغلال الفوضى؟*

◼️في ظل الصراعات القائمة، لماذا تتحول العواصم الإفريقية، مثل تشاد وأوغندا، إلى منصات لوجيستية لتمرير الدعم الإماراتي؟ هل هذه الدول شريكة فعلية أم مجرد مسرح عملياتٍ تُديره قوى أكبر؟ وما المقابل الذي يجعلها تغض الطرف عن التدفقات غير الشرعية التي تعبر حدودها؟.
▪️قد يبدو الأمر كمسألة جغرافية بحتة، ولكن حين نمعن النظر، نجد أن المصالح الاقتصادية والوعود بالاستثمارات تلعب دوراً محورياً. فهل باتت هذه الدول رهائن لمعادلة المال والنفوذ ، حتى لو كان الثمن استقرار جيرانها.

*مـا هــي حـدود الصمـت الدولـي؟*

▪️حين يضع السودان أدلته وشكواه أمام مجلس الأمن، لماذا تبدو الاستجابة الدولية فاترة؟ هل لأن الشكوى تأتي من بلد أنهكه الصراع الداخلي، أم لأن مجلس الأمن نفسه مرهون بمصالح القوى الكبرى التي تتجنب إحراج حليف بحجم الإمارات؟.
▪️قد يكون مجلس الأمن معنياً بالمظاهر أكثر من الجوهر، منشغلاً بخطابات مكررة عن السلام، بينما تُمرر الصفقات خلف الكواليس. فهل يمكن للسودان أن يقلب الطاولة، أم أن العالم سيكتفي بالمراقبة عن بعد؟

*مـن يلعـب بالنـار فـي السـودان؟*

▪️الإمارات لا تدعم قوات الدعم السريع فقط، بل تعيد تشكيل موازين القوى في السودان، تثير الفوضى وتستثمر في أطراف النزاع. لماذا؟ أهي محاولة لإحكام السيطرة على الذهب السوداني؟ أم خطة بعيدة المدى لإضعاف أي نظام سياسي قد يناهض نفوذها؟.
المسألة تتجاوز الذهب أو المصالح الاقتصادية. يبدو أن الإمارات تسعى لبناء قوة عسكرية موالية تُستخدم كورقة ضغط إقليمي، سواء ضد القوى المنافسة أو لتحقيق مصالحها في البحر الأحمر.

*إلى متى تبقى الحدود مسرحاً للتهريب والتمويل؟*

▪️تُرى، كيف يمكن لدولة مثل السودان أن تحمي حدودها من التدفقات اللوجستية التي تغذي هذا الصراع؟ هل يكفي التعاون مع دول الجوار، أم أن الأمر يستدعي تغييراً جذرياً في التعامل مع التدخلات الأجنبية؟.
▪️السؤال هنا ليس فقط حول الحدود المادية، بل حول قدرة السودان على حشد دعم إقليمي حقيقي يقطع الطريق على مثل هذه التدخلات. ولكن هل دول الجوار مستعدة للتخلي عن مكاسبها الآنية مقابل استقرار طويل الأمد؟.

*أين يكمن الحل؟*

▪️أمام هذه الصورة المتشابكة ، هل يكمن الحل في الضغط على الإمارات من خلال حملات إعلامية تكشف دورها أمام العالم؟ أم أن السبيل الحقيقي هو خلق تحالفات إقليمية ودولية تُعيد رسم المشهد وتُقلص نفوذ الدول المتدخلة؟.
▪️ربما حان الوقت لتغيير أسلوب المواجهة، لنقل المعركة من الميدان العسكري إلى الساحة الدبلوماسية والإعلامية، ولفضح كل من يساهم في تغذية هذا الصراع. ولكن هل يملك السودان ما يكفي من الأدوات لتحقيق ذلك؟

*خلاصة القول ومنتهاه:*

▪️القصة ليست مجرد صراع داخلي في السودان، بل هي لوحة معقدة تُرسم بأيدٍ متعددة، بعضها ظاهر وبعضها خفي. تقف الإمارات في قلب هذه اللوحة، مدعومة بتحالفات دولية وإقليمية، تُجيد اللعب في مساحات الفوضى. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن للسودان أن يكسر هذه الدائرة المغلقة من التدخلات والصراعات، ويعيد رسم مستقبله بعيداً عن الحسابات الإقليمية والدولية؟.

مقالات ذات صلة