خبر وتحليل – عمـار العركـي : “دبلوماسية الخراب: دور العواصم الإفريقية في مشروع الوكالة الإماراتية”
▪️أصبحت العواصم الإفريقية الثلاث كمبالا، نيروبي، وأديس أبابا، مراكز مفتوحة لدعم الجناح السياسي للمليشيا التي تعيث فسادًا في السودان، حيث تقدّم هذه العواصم أراضيها ومؤسساتها الوطنية لخدمة هذه المليشيا تنفيذًا لتفاهمات وصفقات مشبوهة مع دولة الشر، الإمارات. أمام هذا الواقع، تبرز تساؤلات حاسمة: لماذا تقف الحكومة السودانية عاجزة عن اتخاذ أي خطوات دفاعية؟ وما هي الموانع التي تحول دون ردع هذه التدخلات؟
▪️”كمبالا: الحاضنة الهادئة”
تلعب العاصمة الأوغندية دورًا رئيسيًا في احتضان الجناح السياسي للمليشيا، حيث فتحت أبوابها لتسهيل اجتماعات مغلقة ومفاوضات سرية تنتهي دائمًا بتعزيز الدعم الخارجي للمليشيا. وبفضل العلاقة التاريخية بين كمبالا وبعض القوى الإقليمية، أُعيد إحياء منصات الدعم تحت غطاء اجتماعات إنسانية أو سياسية، لكن حقيقتها هي خدمة أجندة تفكيك السودان.
▪️” _نيروبي: الوسيط الخفي”_
نيروبي، المعروفة بدورها الدبلوماسي في شرق إفريقيا، أصبحت منصة أخرى لتسهيل تحركات المليشيا. رغم ادعاءاتها الحياد، فإن المؤسسات الكينية تسخّر خدماتها، من تسهيلات مالية إلى منح الإقامة، لضمان استمرار المليشيا في نشاطاتها السياسية والعسكرية. علاوة على ذلك، تستغل نيروبي شبكة علاقاتها مع الغرب للتأثير على الخطاب الدولي، مما يمنح المليشيا غطاءً سياسياً إضافياً.
▪️ _”أديس أبابا: الشريك غير المعلن”_
أما أديس أبابا، التي لطالما كانت مقرًا للاتحاد الإفريقي، فقد تحولت إلى شريك غير مباشر للمليشيا، مستفيدة من تحالفاتها الإقليمية والضغوط الإماراتية. توفر أديس الدعم اللوجستي وتفتح المجال لمفاوضات تهدف إلى تعطيل أي تحرك حقيقي نحو الاستقرار في السودان، بما يخدم الأجندة الإماراتية التي تسعى لإضعاف السودان ومصادرة قراره الوطني.
▪️ _”الإمارات: الممول والمحرك”_
تبقى الإمارات العامل المشترك بين هذه العواصم، حيث تستغل نفوذها المالي والدبلوماسي لتجنيد هذه الدول في خدمة مخططاتها ضد السودان. تتبنى استراتيجية تقوم على تمويل المليشيا ودعم جناحها السياسي من خلال حلفاء إقليميين مستعدين لبيع مواقفهم مقابل المال أو المصالح.
▪️ _”ما يجب على السودان فعله لتقييد تلك العواصم”_
في ظل غياب رؤية واضحة للتصدي لتدخلات العواصم الإفريقية المتحالفة مع الإمارات، يعاني السودان من تقاطعات خطيرة بين مؤسساته الرسمية المعنية بالسياسة الخارجية. هذا التباين في وجهات النظر وعدم التنسيق بين الجهات السيادية يفتح الباب واسعاً أمام الأطراف الخارجية لاستغلال هذا الفراغ، مما يهدد سيادة البلاد واستقرارها فبالضرورة القيام بالتالي :
▪️صياغة رؤية استراتيجية وطنية شاملة، تتوافق عليها جميع الجهات الرسمية وتحدد الأولويات الوطنية بوضوح. لتحقيق ذلك، يجب تشكيل لجنة عليا تضم ممثلين من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وجهاز الأمن والخبراء الاستراتيجيين، تكون مهمتها تنسيق العمل بين المؤسسات المختلفة وضمان تنفيذ الخطط المتفق عليها بشكل دقيق ومنظم.
▪️لكن هذا وحده لا يكفي. لابد من تطوير آلية مركزية تجمع بين الجهات المعنية، لتبادل المعلومات والقرارات وتوحيد الخطاب الرسمي أمام العالم. التنسيق الداخلي القوي سيُسهم في إزالة التقاطعات بين المؤسسات السيادية، مما يتيح استجابة سريعة ومنسجمة مع التحديات الخارجية المتزايدة.
▪️بجانب ذلك، يتعين على السودان اتخاذ خطوات دبلوماسية مباشرة تُظهر موقفه الواضح والرافض للتدخلات الخارجية. يمكن أن تبدأ هذه الخطوات باستدعاء سفراء الدول المتورطة لإبلاغهم برسائل حازمة، إلى جانب تقديم شكاوى رسمية مدعومة بالأدلة للاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن. هذه التحركات ستعزز موقف السودان أمام الأطراف الإقليمية والدولية، وتضع حدوداً للتدخلات السافرة.
▪️في ذات السياق، يجب أن يسعى السودان لتوسيع تحالفاته الإقليمية والدولية، من خلال بناء شراكات قوية مع دول إفريقية مؤثرة مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا. هذه التحالفات يمكن أن تُشكل قوة مضادة للضغوط الخارجية. كذلك، يجب توظيف العلاقات مع قوى عالمية مثل الصين وروسيا، حيث يمكن الاستفادة من نفوذها الدولي لدعم استقرار السودان وضمان مصالحه.
▪️إلى جانب التحركات الدبلوماسية، لا بد من خوض معركة إعلامية مدروسة. الإعلام هو سلاح لا يقل أهمية عن غيره في كشف المؤامرات التي تقودها الإمارات والعواصم الإفريقية المتحالفة معها. من الضروري إطلاق حملات إعلامية تكشف أبعاد هذه التدخلات للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، وتسليط الضوء على خطورة المخططات التي تستهدف تفكيك السودان.
▪️كما أن الاقتصاد يمثل ورقة ضغط قوية يمكن توظيفها بحنكة. ينبغي مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع الدول المتورطة، وفرض قيود على الشركات المرتبطة بالإمارات وحلفائها داخل السودان. هذه الإجراءات لن تؤثر فقط على مصالح تلك الدول، بل ستبعث برسالة واضحة بأن السودان قادر على حماية مصالحه السيادية.
▪️أخيراً، لا بد من وضع هذه الخطوات في إطار عملي قابل للتنفيذ. يمكن للسودان تنظيم مؤتمر وطني عاجل يضم السياسيين والخبراء لوضع تصور شامل ومتكامل لمواجهة التدخلات الخارجية. كما أن تعزيز الموارد البشرية والتقنية في وزارة الخارجية، وتدريب السفراء والدبلوماسيين على إدارة الأزمات، سيُسهم بشكل مباشر في تحسين قدرة السودان على الرد على هذه التدخلات بفعالية واحترافية.
▪️ _”خلاصة القول ومنتهاه”_
▪️لا يمكن للسودان أن يظل صامتاً أمام التدخلات السافرة لهذه العواصم، التي تخدم أجندات المليشيا وداعميها. عليه أن يتبنى موقفاً استراتيجياً يجمع بين الضغط الدبلوماسي، الاقتصادي، والإعلامي، مع تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية…. فقط بهذه الطريقة يمكن للسودان استعادة زمام المبادرة وإفشال مخططات التفكيك التي تستهدفه.