ترامب الرئيس الـ47 لأمريكا وماذا بعد؟.. كتبه/ المحامي حاتم جعفر (أبو أواب)

بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع للانتخابات الأمريكية، التي جرت يوم الثلاثاء 06/11/2024، أعلن دونالد ترامب فوزه على مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، وذلك بخطاب ألقاه بمقر حملته الانتخابية بولاية فلوريدا، وقال: “صنعنا التاريخ اليوم وحققنا انتصاراً سياسياً”. وأضاف: “أن الناس يقولون له إن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وكان هذا السبب هو إنقاذ بلادنا وإعادة أمريكا إلى العظمة والآن سنقوم بهذه المهمة معاً”.
وقبل الإعلان الرسمي للنتائج النهائية للانتخابات، تسابق رؤساء دول العالم في تقديم التهنئة له، منهم المستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد التهنئة، اتصل ماكرون بشولتز واتفقا على ضرورة العمل سويا “من أجل أوروبا أكثر اتحادا وقوة وذات سيادة”، ما يعكس حالة الإحباط، والخوف التي أصابت قائدي أوروبا جراء عودة ترامب إلى سدة الحكم. كذلك سارع الرئيس الروسي بوتين بتهنئة ترامب قائلاً: “أهنئ ترامب بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، ومستعد لإجراء اتصالات معه. نرحب بما وعد به ترامب في حملته بتحسين العلاقات مع روسيا وحل النزاع في أوكرانيا”. (الجزيرة نت)

أما حكام المسلمين؛ فقد قال أردوغان للصحفيين على متن رحلة عودته إلى تركيا من بودابست، يوم الجمعة 08/11/2024، “قطع ترامب وعودا بإنهاء الصراعات.. نريد الوفاء بهذا الوعد وأن يُطلب من (إسرائيل) التوقف” (الجزيرة نت). ولم يتخلف عن التهنئة حكام مصر، والسعودية، والخليج، وجميعهم يعولون على ترامب في رفع الحرج عن أنفسهم، وإيقاف مجازر يهود في فلسطين ولبنان.

عاد ترامب إلى الحكم خاليا من أي إبداع، أو دبلوماسية يستر بها سوءاته، حتى شعاره الذي اتخذه منذ حملته الأولى عام 2016م، ثم كرره مجددا عام 2024م، “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا” هو عبارة كان قد قالها أول مرة في عام 1980م، الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، ثم تبناها بيل كلينتون عام 1992م أثناء حملته الرئاسية.

إن عبارة (أمريكا عظيمة) تعني بالنسبة للمسلمين استمرار حالة الهزيمة أمام الغرب الكافر الذي تقوده أمريكا؛ سياسيا ببقاء هؤلاء الحكام العملاء الرويبضات على عروشهم، وفكريا بأن نظل على حالة العبودية للغرب الكافر، واقتصاديا بأن تظل ثرواتنا نهبا لأمريكا، ولن ننسى كيف جمع ترامب في ساعة من نهار 21/05/2017 حكام وممثلي أكثر من خمسين بلداً من بلاد المسلمين، يقدمون له فروض الولاء والطاعة، ويقتطعون حوالي 500 مليار دولار من قوت الفقراء والضعفاء والعجزة يدفعونها استرضاء له.

إن الحروب التي تستعر في العالم، والتي زعم ترامب أنه سيوقفها عندما يصل إلى البيت الأبيض، خاصة الحروب المشتعلة في بلاد المسلمين، تغذيها أمريكا وتذكي نارها لتحقق أهدافها. فحرب غزة أطلقها كيان يهود بدعم غير محدود من أمريكا، حيث إنها منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قدمت له مساعدات عسكرية بقيمة 18 مليار دولار

أما الحروب التي أطلقتها في السودان وسوريا فهي لتعزيز نفوذها وتثبيته، وأما في اليمن، فهي لانتزاعه من نفوذ بريطانيا؛ المستعمر القديم، ولن توقف أمريكا هذه الحروب حتى تحقق غايتها منها، ففي أحداث غزة لا يريد ترامب من نتنياهو أن يوقف الحرب، ولكن يريده أن يكمل ذبحه للمسلمين على عجل.

قال رسول الله ﷺ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، وإن ترامب هذا معلوم غير مجهول، فهو نفسه في ولايته الأولى، لدغ المسلمين وحاق مكرا سيئا بهم، من أجل تثبيت أركان القاعدة العسكرية للغرب في بلاد المسلمين؛ كيان يهود، وكان ذلك على النحو الآتي:

اعترف عام 2017 بالقدس عاصمة للكيان اللقيط، ثم نقل في 14/05/2018م سفارة بلاده إليها.
وقع في 25/03/2018 على إعلان رئاسي اعتبر أن الجولان المحتل جزءا من كيان يهود.

قدم ما يسمى بصفقة القرن، وهي خطته لتصفية قضية فلسطين، مع تحفيز الكيان بإدماجه في المنطقة، من خلال تهافت الحكام العملاء للتطبيع معه، ووضع هذه الخيانة في قوالب دينية تحت مسمى اتفاقيات أبراهام إمعانا في الدجل والتضليل.

في 31/08/2018، قطعت إدارته التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). ويشكل التمويل الأمريكي للوكالة الأممية ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار، وهو ما يؤثّر جذرياً على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

أما عن نظرته للإسلام، فإنه في خطاب التنصيب، بوصفه الرئيس الـ45 لأمريكا، الذي ألقاه بتاريخ 20/01/2017 قال: “سنوحد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف، الذي سنزيله من على وجه الأرض”! وبحسب تصنيفات مؤسسة راند التابعة للبنتاغون، فإن المسلم المتطرف، أو الأصولي، أو الإرهابي، هو كل من يعادي الديمقراطية والغرب، ويتمسك بالجهاد والتفسير الدقيق للقرآن، ما يعني أن ترامب يريد حشد دول العالم خلفه لإزالة الإسلام من على وجه الأرض إن استطاع، فهل يرجو مسلم منه خيرا؟!

إن المسلمين اليوم يعيشون أوضاعا غير طبيعية، تتمثل في حالة التبعية الكاملة للغرب الكافر الذي تقوده أمريكا، ما جعل أزماتنا جميعها غربية الهوى. فمنذ بذرتها وسقايتها وتعهدها ورعايتها وحصدها ليجني الغرب ثمرتها، لذلك لا يرى الناس في حياتهم، ومعالجة مشكلاتهم أثرا لدولة وطنية، أو مؤسسة عرقية، أو إقليمية، حتى وإن أنشأها الغرب الكافر نفسه، وهذا ما يجعل الحكام ينتظرون تعليمات السفارات الغربية، والناس يعولون على الزيارات المكوكية لوزراء الخارجية الغربيين أو المندوبين، وعلى تغير الحكام في أمريكا، وهذا ما يفسر كيف أن الاستطلاعات التي أجرتها الفضائيات العربية في بلاد المسلمين، كانت آراء الناس فيها تعول على أن ترامب يمكن أن يحقق شيئا، والمسلمون بذلك يسقطون الحقائق المطلقة في أن الكافر هو العدو؛ ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً﴾، بل ويسقطون حقائق التاريخ الشاهدة على إجرام وحقد ترامب الذي يحتقر المسلمين، ويصمون آذانهم عما كان يقوله بشأنهم في حملته التي جعل هدفها أن تكون أمريكا عظيمة وأن يكون كيان يهود عظيما.

لقد اعترف ترامب في شعاره الانتخابي، بأن أمريكا فقدت عظمتها، وأنه يريد أن يعيدها إليها. ولكن فليعلم هذا الجاهل أنه على مدار التاريخ الإنساني، لم تفقد إمبراطورية أو دولة عظمتها ثم استردت تلك العظمة، إلا ما كان من دول تقوم على مبدأ صحيح، يتجدد فهمه في الأذهان، وذلك لا يكون إلا على أساس مبدأ الإسلام العظيم، الذي تجدد فهمه في أذهان المسلمين، وهم يصلون الليل بالنهار ليوصلوه إلى موضع التطبيق والتنفيذ؛ بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تقتلع الاستعمار من بلاد المسلمين، وتكسر آخر قرون الروم، وتشيع العدل، وتخرج الناس من ظلام الرأسمالية إلى نور الإسلام.

مقالات ذات صلة