رغم مرور ثلاث سنوات .. ما أشبه الليلة بالبارحة .. تأملات – جمال عنقرة
بعث لي الأخ الصديق السياسي المسؤول الأستاذ بشارة جمعة أرور بمقال كنت قد كتبته قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال بمناسبة لقاء حشدنا له باسم صحيفة جسور في قاعة الصداقة بالخرطوم عددا من القيادات السياسية والفكرية والمجتمعية استجابة لدعوة الرئيس البرهان لأهل السودان للتوافق علي حكومة مدنية تقود البلاد إلى حين اجراء انتخابات. وكأن السيد بشارة يقول لي “ما أشبه الليلة بالبارحة”
وهانذا انشر المقال كما هو. ورغم مرور ثلاثة أعوام اقول .. ما أشبه الليلة بالبارحة
لقاء “جسور” التفاكري ليس مبادرة .. والحاجة للتنسيق لا تزال قائمة
المبادرة، مصطلحا ومعني، ومفهوم، ومدلول، أمر طيب، والله سبحانه وتعالي ميز أهل السبق، وأهل الفضل، وهم المبادرون المبتكرون المقدامون، ولقد تعودت منذ الصبا الباكر ألا أركن إلى التقليد، وأبحث عن السبق والتجديد، وأحمد الله أن أعانني علي تسجيل اسمي مرات عدة في دفاتر المبادرين، ورغم أن ذلك شئ يدعو للفخر والاعتزاز، إلا أن تكاثر ما صار يحمل اسم مبادرة في السودان، لا سيما في الشأن السياسي، بني حواجز صد بين الناس وبين كلمة مبادرة، وليس لهذا السبب وحده، ولكن لأن حقيقة اللقاء الذي دعونا له باسم صحيفة “جسور” الإلكترونية السبت الماضي الرابع والعشرين من شهر سبتمبر الجاري هذا في قاعة الصداقة، لم يكن مبادرة، بالمعنى الذي تعارف عليه السودانيون أخيرا للمبادرة، وهي كانت مجرد دعوة لأصحاب المبادرات التي استقرت في الساحة السياسية لتنسيق جهودهم، وحشد القواسم المشتركة بين رؤاهم لحل الأزمة السودانية، لتيسير سبل الحوار فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المكون العسكري الذي القي الكرة في ملاعب المدنيين بإعلانه الخروج من الحوار السياسي، وترك الساحة للسياسيين المدنيين، للتوافق علي حكومة كفاءات مدنية يسلمونها مقاليد حكم البلاد، فتقودها إلى أن تصل إلى أجل يتفق عليه، تجري فيه انتخابات حرة نزيهة شفافة، تحدد من يستلم الحكم من الحكومة الإنتقالية المدنية.
ما دعانا للإقدام علي هذه الخطوة هو إحساسنا، بل قناعتنا أنه لا توجد جهة واحدة تستطيع أن تدعي، أو تزعم أنها تمثل كل القوي السياسية الفاعلة، ناهيك عن تمثيلها لكل أهل السودان، لذلك حشدنا أولا مجموعة من الوسطيين المقبولين، ومعهم وجهنا دعوات لكل الكيانات الأساسية، وكذلك لأصحاب المبادرات التي نالت حظها من القبول، وبحمد الله كانت درجة الاستجابة معقولة جدا، والكيانات التي لم تأت بكلياتها، أتي منها فاعلون امنوا علي أهمية الفكرة، وحتمية التنسيق وتوحيد الجهود.
ولقد ظهرت يوم أمس الإثنين مجموعة لها وزنها طرحت مبادرة معقولة اسمتها “المبادرة السودانية للتوافق حول الترتيبات الدستورية للفترة الإنتقالية” وتصدر هذه المجموعة الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة السيد جعفر الصادق الميرغني، وحزب البعث بقيادة الأستاذ محمد وداعة، والحزب الجمهوري بقيادة البروفيسور حيدر الصافي، والحزب الوطني الإتحادي بقيادة الدكتور يوسف محمد زين، وبعض الأحزاب الأخري، ويضاف هذا التجمع إلى تجمعات أخري رسخت، مثل مجموعة الحراك الوطني وهي مجموعة فاعلة جدا وايجابية وموضوعية، وعملية، ومجموعة الحرية والتغيير التوافق الوطني، وهذه تكتسب أهميتها من ضمها لأهم حركات الكفاح المسلح، في مقدمتها حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وحركة التحرير بقيادة السيد مني اركو مناوي، والحركة الشعبية شمال، وحركات ومكونات أخري، وهناك أيضا مجموعة نداء السودان، والتي تضم أيضا قوي مجتمعية وسياسية فاعلة، ولا يمكن بالطبع إسقاط الحرية والتغيير القيادة المركزية من التجمعات السياسية الفاعلة في الساحة، ولكن هذه أسقطت نفسها برفضها مبدأ الحوار مع الآخرين، بعضهم بدعوي سندتهم للنظام السابق، وبعض آخر بدعاوي مساندة قرارات السيد البرهان في الخامس والعشرين من شهر اكتوبر العام الماضي ٢٠٢١م، ويشاركهم هذا الموقف الحزب الشيوعي السوداني، وتجمع المهنيين، ودعاة التغيير الجذري.
وهناك قوي وأحزاب أخري قابلة بمبدأ التراضي والتعايش، ولكنها لم تنضم بعد إلى أي من الكيانات والتجمعات والمبادرات القائمة، وهؤلاء الأفضل لهم الإنضمام إلى من يناسبهم، أو يتوافق معهم من الكيانات الرئيسة التي أشرت لها، وتبقي بعد ذلك الحاجة لا تزال قائمة لهذه المجموعات للجلوس إلى بعضها، لتنسيق جهودها، وتوحيد رؤاها، وهذا ما كنا قد دعونا له، ولا تزال دعوتنا له قائمة، ويمكن أن يكفينا جهدها تنادي هذه الكيانات والمبادرات للجلوس صفا واحدا، بلا تمييز ولا تمايز، ولا عزل ولا اعتزال، ليصلوا معا إلى القواسم المشتركة فيما بينهم، ثم يجلسوا معا مع العسكريين، لتحديد الخطوة المقبلة التي ينتظرها السودانيون جميعا، ويترقبها العالم البعيد قبل القريب، وإن عزت عليهم الاستجابة لدعوتنا، وعز عليهم أن يتراضوا، ويرضي بعضهم بعضا، تكون الكرة قد عادت مرة أخري إلى ملعب العسكريين، وسيكون الخيار واحدا، أن يختار القائد العام للقوات المسلحة شخصية وطنية قومية ذات قبول، وخبرات واسعة، ويكلفه بتشكيل حكومة مدنية من كفاءات قومية غير حزبية، تستكمل الفترة الإنتقالية وتشرف علي إجراء انتخابات يبدأ بها السودان عهدا جديدا بإذن الله تعالى.