تصل الى النصف.. سودانيون في مصر يكشفون عن تراجع اسعار الايجارات بنسبة كبيرة اثر وفرة المعروض وتراجع الطلب
عودة الآلاف من السودانيين إلى بلادهم تؤثر بشكل ملحوظ على سوق الإيجارات في الأحياء المصرية. حيث شهدت هذه المناطق زيادة في المعروض من الوحدات السكنية، مما أدى إلى تراجع الطلب بشكل ملحوظ. هذا التغير في الديناميكية السوقية دفع العديد من أصحاب العقارات إلى إعادة تقييم أسعار الإيجارات.
مع تزايد عدد الوحدات المتاحة، أصبح من الصعب على الملاك الحفاظ على الأسعار المرتفعة التي كانوا يتقاضونها سابقًا. ونتيجة لذلك، بدأ بعضهم في تقليص مكاسبهم الكبيرة التي كانوا يحققونها، في محاولة لجذب المستأجرين الجدد. هذا التوجه يعكس التحديات التي يواجهها السوق العقاري في ظل الظروف الحالية.
في ظل هذه التطورات، يتوقع الخبراء أن تستمر هذه الاتجاهات في التأثير على أسعار الإيجارات في المستقبل القريب. ومع تزايد المنافسة بين الملاك، قد نشهد مزيدًا من الانخفاضات في الأسعار، مما قد يوفر فرصًا أفضل للمستأجرين في الأحياء المصرية.
انتقل نافع عبد الحي، وهو سوداني مقيم في منطقة فيصل بجنوب القاهرة، إلى شقة جديدة بتكلفة إيجارية تقل عن نصف ما كان يدفعه في شقته السابقة التي عاش فيها مع أسرته لمدة تسعة أشهر. جاء هذا الانتقال نتيجة الانخفاض الملحوظ في أسعار إيجارات الشقق في مصر، والذي تزامن مع عودة العديد من السودانيين إلى وطنهم.
وفي تصريح له لصحيفة “الشرق الأوسط”، أوضح عبد الحي أنه أصبح يدفع 4500 جنيه شهريًا، بدلاً من 9000 جنيه التي كان يدفعها في الشقة السابقة. وأشار إلى أن الشقتين متشابهتان في المستوى، ولا تفصل بينهما سوى مسافة قصيرة، مما يجعل الانتقال أكثر سهولة وراحة له ولعائلته.
هذا التغيير في أسعار الإيجارات يعكس التغيرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، حيث ساهمت عودة السودانيين في زيادة العرض على الشقق، مما أدى إلى انخفاض الأسعار. ويعتبر عبد الحي هذا الانتقال فرصة جيدة لتحسين وضعه المالي، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
خلال الأشهر الماضية، تمكن الجيش السوداني من التقدم في العديد من الأحياء والمناطق بالعاصمة الخرطوم وضواحيها على حساب “قوات الدعم السريع”. كما سيطر على مداخل ثلاثة جسور استراتيجية في العاصمة المثلثة، وهي “الفتيحاب” و”النيل الأبيض” و”الحلفايا”، التي تربط بين ولايات أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري. وقد مهدت هذه الانتصارات لعودة آلاف السودانيين.
وصف القنصل السوداني في أسوان، السفير عبد القادر عبد الله، لأخبار “الشرق الأوسط” أعداد العائدين من مصر إلى السودان بأنها “كبيرة”، مشيراً إلى أنهم لا يمتلكون إحصائية دقيقة، لكنه قال: “يمكنني أن أؤكد أنه منذ ثلاثة أشهر، عدد العائدين إلى السودان يفوق بكثير عدد النازحين من السودان إلى مصر”.
وتوقع الدبلوماسي السوداني أن تزداد الأعداد بشكل أكبر في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن “كلما تقدم الجيش السوداني، عاد مزيد من السودانيين”، خاصةً “في بداية العام المقبل، بعد انتهاء امتحانات الشهادات السودانية التي تبدأ في 28 ديسمبر وتستمر لمدة أسبوعين”، مضيفاً أن “الكثير من الأسر تنتظر انتهاء امتحانات أبنائها للعودة إلى السودان”. فسّر المستشار الإعلامي السابق للسفارة السودانية في القاهرة وأمين أمانة العلاقات الخارجية في “جمعية الصداقة السودانية المصرية”، محمد جبارة، في حديثه مع “الشرق الأوسط”، عدم وجود إحصاء دقيق لعدد العائدين، حيث أن بعضهم دخَلوا مصر بطرق غير قانونية، وعودتهم تتم دون وثائق. في حين أن الآخرين الذين دخلوا بطرق رسمية، فقد وثقت الجمعية عودة 29 ألفاً منهم خلال الفترة من أغسطس إلى أكتوبر الماضيين.
قدّرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد السودانيين المسجلين لديها في مصر حتى 30 سبتمبر الماضي بـ503,993 لاجئاً. ولا يُعبر هذا الرقم عن جميع السودانيين الذين دخلوا مصر بعد الحرب، حيث هناك آخرون لم يتم تسجيلهم في المفوضية. تسبب تدفق السودانيين إلى مصر واستقرارهم في مناطق معينة في زيادة أسعار الإيجارات بشكل كبير.
ويُعتبر حي فيصل، وهو من الأحياء الشعبية جنوب العاصمة، من المناطق التي يتواجد فيها الوافدون السودانيون، حيث سجل متوسط الإيجار في هذه المنطقة الشعبية 8 آلاف جنيه، بعد أن كان 2000 جنيه قبل وصولهم، وفقاً للسمسار أحمد عبد الرحيم.
تراجع متفاوت الآن، يوضح عبد الرحيم لـ”الشرق الأوسط” أن أسعار الشقق، وخصوصاً “المفروشة في الأبراج السكنية”، قد انخفضت، حيث كان يسكنها “السودانيون أصحاب المال”، مشيراً إلى أن العديد منهم قد عادوا إلى وطنهم. يقول الوسيط العقاري: “كانوا يدفعون 15 ألف جنيه شهريًا مقابل الشقة المفروشة، ولكن بعد عودتهم لم يعد هناك من يسكن هذه الشقق بنفس الأسعار، مما أجبر الملاك على خفض أسعار الإيجار لتصل إلى 10 و12 ألف جنيه.”
وأعرب السمسار عن اعتقاده بأن هذه القيمة لا تزال مرتفعة في منطقة شعبية مثل فيصل، وأضاف أنه “يمكن أن تنخفض أكثر بسبب قلة الطلب”، مشيراً إلى أن بطء تراجع الإيجارات يعود إلى “جشع مالكي الشقق الذين يأملون أن يدفع المصري نفس المبلغ الذي كان يدفعه السوداني”. قال السمسار السوداني حسن عبدالله، الذي يقوم بترويج الشقق على مجموعة في “فيسبوك” تضم آلاف السودانيين في مصر، لـ “الشرق الأوسط” إن الأسعار قد انخفضت تقريبًا إلى النصف، حيث كانت الشقق تُعرض بسعر 4 و5 آلاف جنيه، وأصبحت الآن تُعرض بأسعار تتراوح بين 2000 و2500 و3000 جنيه.
وأضاف: “الشقق متاحة الآن بشكل أكبر مما كانت عليه في السابق”، وذلك بعد أن غادر العديد من السودانيين الشقق وعادوا إلى السودان، بحسب تعبيره. من فيصل إلى منطقتي الدقي والمهندسين الراقية في محافظة الجيزة، شهدت الأسعار انخفاضًا ملحوظًا أيضًا. يقول أحمد الأسيوطي، وهو حارس عقار وسمسار في الدقي، لـ«الشرق الأوسط» إن إيجارات الشقق المفروشة في المنطقة انخفضت “بشكل كبير جداً”، مشيرًا إلى أنها كانت قد وصلت في الفترة الماضية مع قدوم السودانيين، وتحديدًا منذ منتصف العام الماضي، إلى 70 ألف جنيه، لكنها بدأت تتراجع منذ 3 أشهر لتصبح ما بين 40 و30 ألف جنيه، مع عودة بعض السودانيين إلى بلادهم. يعود الفارق الكبير في الأسعار بين منطقتي فيصل والدقي إلى طبيعة كل منهما من ناحية، وكذلك إلى مساحة ومستوى الشقق من ناحية أخرى، حيث إن الشقق في تلك المنطقة تكون عادةً كبيرة المساحة وتضم “4 غرف و3 حمامات بمستوى فخم”. توقع السمسار أن تنخفض إيجارات الشقق بشكل أكبر في الفترة القادمة، موضحًا أن لديه شققًا خالية منذ أكثر من شهر ولا يتمكن من العثور على مستأجر لها، وكل فترة يخفض الملاك الأسعار أكثر في محاولة لجذب مستأجرين. أكد السمسار في منطقة المهندسين، حمدي الصعيدي، نفس الأمر، مشيراً إلى أن سوق الإيجارات حالياً يعتبر “هادئاً”، وذلك في دلالة على وفرة المعروض مقارنةً بالطلب.
شهدت منطقة مدينة نصر شرق العاصمة تأثيرًا مشابهًا، حيث انخفضت الإيجارات إلى 20 و30 ألف جنيه، بعد أن كانت قد وصلت في الفترة السابقة إلى 40 و50 ألف جنيه، وفقًا لمحمود محسن، صاحب عدد من الشقق المؤجرة.
يذكر محسن لـ”الشرق الأوسط” أنه يمتلك شقة حالياً يبلغ سعر إيجارها 22 ألف جنيه، بينما كانت قد وصلت في الفترة الماضية إلى ضعف هذا المبلغ نظراً لإقبال السودانيين على الإيجارات. ويشير إلى أن مدينة نصر تُعتبر من المناطق التي تجذب الوافدين من جنسيات متعددة. على الرغم من التراجع النسبي في أسعار الإيجارات في المناطق التي يتركز فيها السودانيون، استبعد أحمد عبد الله، عضو شعبة الاستثمار العقاري في غرفة القاهرة التجارية، أن تشهد السوق العقارية تراجعاً يعود بها إلى المستويات التي كانت عليها قبل قدومهم.
وقال لـ”الشرق الأوسط” إنه لا يتوقع انخفاضاً في أسعار الإيجارات بشكل عام بسبب التضخم وعوامل أخرى. ومع ذلك، في بعض المناطق التي شهدت تراجعاً كبيراً في أعداد الجالية السودانية، من المتوقع أن ينخفض الطلب.
أضاف: “بوجه عام، من غير المرجح أن تنخفض أسعار الإيجارات إلا إذا كان هناك تراجع كبير في الطلب مقابل العرض، مما يعني مغادرة عدد كبير من الإخوة السودانيين.” كان قد علق رئيس الحكومة، الدكتور مصطفى مدبولي، على أزمة الإيجارات بقوله إن الأسعار شهدت زيادة، ولكن الحكومة غير قادرة على التدخل في سوق العقارات التي تتأثر بقوانين “العرض والطلب”، متوقعًا حينها أن تكون “أزمة الإيجارات في مصر مسألة مؤقتة”.
في غضون 6 أشهر على الأكثر، سيعود الشاب السوداني نافع عبد الحي إلى السودان بعد تعافيه من العملية الجراحية التي أجريت لقدمها مؤخراً. وأشار إلى أن والديه قد عادا بالفعل، وأن “الكثير من السودانيين المقيمين في مصر عاد منهم على الأقل شخص واحد للاطمئنان على الأوضاع هناك، قبل أن تتبعهم باقي أفراد الأسرة”. واتفق مع توكل أحمد، وهو سوداني جاء إلى مصر مع عائلته قبل حوالي تسعة أشهر، ويستعد للمغادرة خلال أيام، حيث قال لـ”الشرق الأوسط” إن السودانيين يفضلون العودة بمجرد أن يطمئنوا لعودة الأمن في مناطقهم بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في مصر، بالإضافة إلى عدم توفر وظائف لهم. وقد أكد ذلك أيضاً محمد جبارة، أمين أمانة العلاقات الخارجية في “جمعية الصداقة المصرية السودانية”.