الجزيرة بضعة مني .. بقلم : د. هويدا صلاح الدين العتباني
كتبت لي صديقتي العزيزة عن ما يحدث من استباحة الجنجويد شرق الجزيرة وقتل مواطنيها الأبرياء بدم بارد . ثم استطردت ان ثمة مؤامرة تحاك و إلا لماذا الجزيرة لماذا لا يستبيح الجنجويد
الشمالية و نهر النيل فكانت هذه رسالتي
:
اختي العزيزة و صديقتي فيحاء
من أسوأ ما يصوره لنا الذهن هو ما يعرف بنظرية المؤامرة ، إذ أنها مجرد افتراضات تناقض الفهم التاريخيّ السائد للمضامين الموجودة و السائدة ، و غالبا بذلك المفهوم ينتج عنها فتنة طائلة وشنيعة ، تعقد الأمر بدلا من معايشة الواقع الماثل ومجابهة الحقائق المرة كالعلقم .
أكتب لك ولابد من مقدمة قبل الاجابة على سؤالك المشروع ، فالجزيرة بضعة مني ، فجدتي أم والدي مباشرة من مدني وما زال بعض من أهل جدتي متواجدين في حي المدنيين قبل غزو الجزيرة بواسطة الدعم السريع في ديسمبر عام 2023 ، بل أنا نفسي من مواليد مدني ، و عشت طفولتي في الجزيرة وتجولنا فيها بحكم عمل والدي في مشروع الجزيرة أو (الجزيرة بورد)و إلى الآن ما زال في ذهني قري المناقل و قرى خارج المناقل راس الفيل ود المنسي و أبوجن وهناك قرى تمر على ذهني مر السحاب لا أذكرها جيدا مثل 24 القرشي و المدينة عرب و الكديوة فضلا عن زياراتي وأنا في الجامعة مصطحبة القوافل الثقافية إلى الهلالية و الكاملين و البشاقرة و الجميعابي و القلقالة و ام دقرسي و من الأماكن التي ما زالت محفورة في الذاكرة حين أنتهى بنا المطاف ونحن في معية الوالد هي بركات رئاسة المشروع فكانت آخر محطة وختام المسك ، بركات الجميلة والتي قرأت فيها جزء من تعليمي الأولي ، تلك البقعة التي تشع جمالاً و حيوية ، بسراياتها الواسعة وأشجارها الوارفة وأزهارها المتنوعة ، ما زلت أتذكر الكمبو والذي غالبا ما يلحق به متجر صغير أو (كنتين ) نتردد عليه ونحن أطفال في أمن و أمان ، كان الناس متعايشين ، لا يسأل أحد عن قبيلته أو من أين أتى فالكل سوداني .
لكل ذلك إن الألم والحزن يعتصرنا ويدمي قلوبنا. ونحن نسمع ونشاهد ما يحدث في الجزيرة من السحل و القتل و قهر الرجال من قبل المليشيا المجرمة .
فكيف يفعل بهذا بالسوء من كانت خضر مرابعهم وبيض صنائعهم هل يستحقون ذلك الأذى الجسيم .
و الآن نأتي إلى الاجابة على سؤالك المحوري لماذا إستباحة الجزيرة من قبل الدعم السريع وليس الشمالية أو نهر النيل ؟؟
وقبل الاجابة لا بد من التوضيح أن أول غزو وتمرد وقع في 15 أبريل 2023 كان في مروي قلب الولاية الشمالية و قد تم دحره في ساعاته الأولى وهذا يثبت أن الشمالية ليست إستثناء . ومع ذلك فأن ثمة أسباب تجعل الجزيرة أكثر إغراءً للإيستلاء و الغزو من المنطقة الشمالية و نهر النيل .
اولاً : أهمية ولاية الجزيرة من الناحية الغذائية بأرضها الخصبة و موقعها بين أكبر نهرين في السودان، فالجزيرة تعتبر سلة غذاء السودان حيث تزرع فيها كل المحاصيل و الفواكه بجانب أن مشروع الجزيرة كان أكبر مصدر اقتصادي في السودان . وهي بذلك المخزن الغزائي للدعم السريع .
ثانياً : ولاية الجزيرة تتميز بموقعها الإستراتيجي في خارطة الوطن ويربطها هذا الموقع بجميع مدن السودان فهي بوابة الشرق إلى القضارف و بوابة الجنوب و الغرب إلى سنار و كردفان ، وهي بذلك يسهل الدخول منها إلى كردفان ودارفور ثم إلى تشاد وغرب إفريقيا .
ثالثاً : الدعم السريع لديه وجود قوي في الجزيرة خاصة بعد سيطرتهم على مدني و ما حولها من قرى ، فضلاً عن وجود عدة قبائل عربية مستهدفة للتجنيد و ضم أبناءها إلى قوات الدعم السريع ، وما عرف مؤخراً بتجنيد أبناء الكنابي .
رابعاً : وجود بعض قيادات الدعم السريع في الجزيرة مثل كيكل و جلحة والبيشي و آخرين لا أذكر أسماءهم ، بينما لا توجد قيادات من الدعم السريع من الشمالية ونهر النيل .
خامساً : هناك متعاونين من أبناء الجزيرة ولعلهم قلة لكنهم فعلوا الأفاعيل ، فكانوا آداة تمد الدعم السريع بالمعلومات الإستراتيجية مقابل المال او كما يقال (إضعاف النفوس و إغراء القروش) و قد ساعدوا بعمالتهم تلك على السيطرة على الجزيرة و وهذا الامر نكاد لا نسمع عنه أو نراه في الشمالية .
سادساً: بعد استسلام كيكل مارس الدعم السريع حملات انتقامية واسعة ، كان ضحيتها الانسان البسيط الذي لاذنب له خاصة في موطنه شرق الجزيرة ولا يوجد مثل نموذج كيكل في الشمالية او نهر النيل .
.
و لو أن هناك ثمة إدانة فلنوجهها مباشرة للدعم السريع الذين إرتكبوا أفظع الجرائم في أهل الجزيرة خاصة ود النورة و السريحة .
هذا رأي الخاص و البسيط و المتواضع تحليلاً و تمحيصاً للأمر و دون تحيز . ولتدعو الله ونتضرع له بالنصر المؤزر للجيش، وما النصر إلا من عند الله وحسبنا الله ونعم الوكيل
ولا حوله ولاقوة الا بالله العلي العظيم
هويدا العتباني