الاستهبال السياسي (1 ــ 2) .. بقلم إبراهيم عيسى هدل

الاستهبال السياسي (1 ــ 2)

دأبت الأحزاب السياسية ولا سيما قبائل اليسار على استغفال الشعب السوداني بالطرْق على قضايا التحول المدني الديموقراطي، والحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، في محاولة لمسح ماضيها البغيض من الذاكرة بالترويج لدكتاتورية الحركات الإسلامية، وربطها بصورة النمطية للإرهاب، ونعتها بجماعات الهوس الديني والتطرُّف الأصولي بالاستثمار في “الإسلاموفوبيا” التي يستخدمها الغرب فزاعة، رغم معرفة اليسار بصناعة الأمريكان لتنظيم داعش لتشويه صورة الإسلام السياسي بالعالم وربطه بالإرهاب والتخلف، في زمن تقدمت فيه الحركات الاسلامية وفازت بأغلب الانتخابات النيابية في بلدان الربيع العربي.
ومن المفارقات أن يتبنى الحزب الشيوعي ربيب الماركسية اللينينية للديمقراطية الليبرالية مع تخليه عن منهج “دكتاتورية البروليتاريا” القائمة على الصراع الطبقي! لم يجد الشيوعيون صراعاً طبقياً بالسودان بين العمال والرأسمالية، فوجدوا ضالتهم في خطاب صراع قوى الهامش والمركز، فتبنت كوادرهم المخترقة للأحزاب والحركات المسلحة، ولا سيما الحركة الشعبية، قضايا الهامش وجعلته أدباً سياسياً محدثاً في كافة الحركات المسلحة والمتمردة على الدولة سواء في جنوب السودان أو شرقه أو غربه، وعندما فرز جنوب السودان معيشته بإقامة دولته المستقلة، لجأ السامري ياسر عرمان للتحريض لإنشاء جنوب جديد مهمّش في جبال النوبة وتلال الأنقسنا، وبمباركة من الحزب الشيوعي السوداني صاحب مذكرات التفاهم والتنسيق مع عبدالعزيز الحلو وغيره من الحركات المسلحة العلمانية بتبني أطروحات الليبراليين الجدد وإخفاء المنفستو الماركسي الذي أباد الملايين في سيبيريا إبان حقبة الاتحاد السوفيتي السابق أو بالثورة الثقافية الماوية بالصين الشعبية.
ثاني المتمنين حديثاً للتيار الليبرالي هو حزب البعث العربي الاشتراكي بشقيه السوري والعراقي، فلم يجد وجدي صالح ــ محامي “دريبات” لجنة إزالة التمكين ــ حرجاً في الحديث عن الدكتاتورية والتسلط “الكيزاني” على الجيش السوداني، في الوقت الذي يقدس حزبه “القائد الرمز والمهيب الركن” الرئيس صدام حسين الذي رسخ قدمه في السلطة ورئاسة العراق بإعدام رفاقه البعثيين إثر اجتماع الحزب بقاعة الخلد في بغداد عام ١٩٧٩م وعلى رأسهم المفكر البعثي عبدالخالق السامرائي وغيره من كبار البعثيين، هذا بخلاف قسوته المتناهية مع خصوم البعث من كافة الأحزاب العراقية والتي تُعدّ جرائم حرب وإبادة جماعية في حلبجة والدجيل وثورة الجنوب الشيعي، حيث قضى عليها صدام حسين بالحديد والنار والأسلحة الكيماوية. أما عن دكتاتورية الرئيس حافظ الأسد في سوريا فحدث ولا حرج عن مجزرة حماه وغيرها، وعلى نهج والده سار خليفته بشار الأسد في إبادة السنة من الشعب السوري.

ولا تخفى تجربة جمال عبدالناصر في مصر في إقامة نظام دكتاتوري قمعي يتحكم فيه العسكر شهدت عليه محاكمة انحرافات المخابرات المصرية في عهد رئيسها صلاح نصر، كما شهد الجميع على القمع في السجون الناصرية أيام مديرها حمزة البسيوني الذي قال لأحد المعتقلين من الإخوان المسلمين: “لو جاء ربكم الذي تدعونه لسجنته في زنزانة انفرادية”! وكانت نهايته مأساوية في حادث سير باصطدام سيارته بناقلة سيخ قطعت جسده إرباً إرباً، حيث خلدت السينما المصرية جرائم الناصرية في عدة أفلام ومنها قصة حمزة البسيوني، مثل أفلام “الكرنك”، “وإحنا بتوع الأتوبيس” وغيرها، كما جسدت السينما العهد الناصري في فيلم “شيء من الخوف” ورمز كاتب القصة ثروت أباظة لعبد الناصر بعتريس ولمصر بفؤادة. … يتبع.
إبراهيم عيسى هدل

مقالات ذات صلة