توماس مور – رجل لكل العصور( 1478- 1535) .. مختارات سيف الدين حسن بابكر
ـ عندما ذهبت اليه زوجته لتزوره فى برج لندن الرهيب منتظرا حكم الاعدام قالت له :
” اننى لاعجب لك ياسير توماس , يامن كنت احسبك حتى الان رجلا عاقلا , لماذا تتظاهر بالحمق ؟ فترقد هنا فى السجن الضيق القذر وترضى بأن تحبس مع الجرذان والفئران , بينما فى وسعك ان تكون حرا فى الخارج ,وتنعم بحظوة الملك ورضاه ومجلسه , اذا فعلت فقط كل مافعله كل الاساقفة وكل خيار المتعلمين فى المملكة , ان لك فى مدينة تشيلسي بيتا جميلا لائقا ولديك مكتبتك وقاعتك وصورك وبستانك الخاص وكل الضروريات تبدو جميلة من حولك وتستطيع ان تسعد معى انا زوجتك ومع اطفالك واسرتك ”
ـ ما الذى كان يبحث عنه السير توماس مور ؟
كان فيلسوف انجلترا الاول والوحيد فى عصره وصاحب كتاب ” المدينة الفاضلة ” الاسطورى
كان كبير قضاة المملكة
كان حاجب الملك اى مايوازى مدير مكتبه حاليا
والاهم انه كان اكثر شخصية محترمة فى المملكة وكل الشعب الانجليز بدءا من الملك يقولون عنه انه ” الرجل الفاضل ”
كان غنيا ولديه اسرة جميلة واملاك واسعة واصدقاء من كبار المفكرين فى اوربا مثل ” ارازموس ” والذى كتب كتابه البديع ” فى مدح الحماقة ” فى بيت توماس مور وافكاره ناتجه من مزاحهما الفلسفى , وقد اهدى له هذا الكتاب مازحا معه حول عنوان الكتاب حيث ان كلمة ” حماقة ” باليونانية هى كلمة ” مورى ” وكأن الكتاب عنوانه” فى مدح مور ”
ـ كيف يضحى انسان بكل هذا المركز العظيم واحترام الملك والذى تسامح معه عدة مرات بسبب اعتراضه على قراراته , وهو الذى كان لايتسامح مع اى معارضة ولديه عقوبتين فقط : قطع الرأس او الحرق حيا , حيث كان اشرس واعنف واقسي ملك حكم انجلترا فى تاريخها وهو الملك ” هنرى الثامن ” ؟
ـ تسامح الملك مع فيلسوف انجلترا الاكبر والرجل الذى كان يضيف لانجلترا ثقلا عالميا كان له فى النهاية حدود , كان يريد من توماس مور جملة واحدة وهى ان طلاق الملك من الملكة كاترين طلاق صحيح وزواجة من الملكة آن بولين زواج شرعى
ـ كمحاولة اخيرة ارسل له الملك وزيره ” كرومويل ” فى البرج ليحاول اقناعه بان ينطق بالجملة المطلوبة فرفض وقال لكرومويل وهم يهم بالانصراف ” ياسير كرومويل : ان وظيفتك كمستشار للملك هى ان تشير عليه بما يجب ان يفعله وليس بما يمكنه ان يفعل ” بمعنى لاتطلعه على حدود قوته كى يستخدمها بحدها الاقصى بل بالحد المناسب لكل موقف
ـ ليلة الاعدام ارسل قميصه الى ابنته وكتب لها ” غدا نلتقى كى نذهب الى الله , وداعا ياابنتى العزيزة , صلى من اجلى , وسوف اصلى من اجلك , ومن اجل جميع اصدقائك , حتى نلتقى فى السماء مسرورين ”
ـ وهو يصعد الى منصة الاعدام وجدها متداعية فقال لقائد الحرس : عليك ان تضمن ان اصعد بامان , اما النزول فانا مسؤول عنه
ـ عانقه الجلاد وطلب منه ان يسامحه فبادله العناق وسامحه
ـ خطب فى الجماهير الحاضره خطبة قصيرة وقال لهم ” صلوا من اجلى واشهدوا اننى مت فى سبيل مبادىء الدين ” وطلب منهم ان يصلوا من اجل الملك وان ينعم الله عليه بمستشار صالح , وقال ” انا اموت وانا خادم صالح للملك , ولكننى خادم الرب اولا ”
ـ تم تعليق رأسه على برج لندن وسرت موجة من الرعب بين الشعب الانجليزى والذهول وعدم التصديق. وسرت قشعريرة فى اوربا كلها ، وقال ” ارازموس ” : ” استطيع ان اقول اننى قد مت اليوم ” . وقال امبراطور اسبانيا انه كان على استعداد للتضحية باكبر مدينة يملكها ولايفرط فى توماس مور .
الكاتب المسرحى المعاصر ” روبرت بولت ” خلد قصة الفيلسوف توماس مور فى مسرحيته العبقرية ” رجل لكل العصور ” كما تناولها شكسبير فى احد مسرحياته .
🫵ملحوظة : احب اهداء هذا البوست الى فقهاء السلطان.
__________________________
منقول
سيف الدين حسن بابكر
القاهرة. 29/92024