حديث المدينة عثمان ميرغني : أول الهواجس.. وضع الإسلاميين
كتبت هنا أمس وقلت إن وفد الجيش مطالب أن يكون صريحا ومباشرا في مخاطبة هواجس واهتمامات الشركاء الذي يرعون ويستضيفون و يراقبون مفاوضات سويسرا .. الولايات المتحدة الأمريكية هي راعي مفاوضات سويسرا و من فرط اهتمامها توفد وزير الخارجية انطوني بيلنكن لرئاسة الجلسات، والمملكة السعودية العربية بكل ثقلها الدولي والاقليمي تستضيف المفاوضات ومعها سويسرا، بينما تشارك جمهورية مصر العربية ودولة الامارات العربية المتحدة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي كمراقبين، وهي ليست مجرد مقاعد اضافية بل في صلب العملية التفاوضية وتلعب دورا مهما.
هؤلاء الشركاء يمثلون قدرا أصيلا في أوراق التفاوض، ودورهم يأتي قبل الدخول إلى القاعة، فيحتاج وفد الجيش أن يخاطب هواجسهم و اهتماماتهم بمنتهي الصراحة والجدية والرغبة في الارتباط الايجابي.
الهواجس عموما والاهتمامات تنشأ في عدة مستويات على رأسها هواجس الأمن القومي لكل دولة.
والحديث المباشر عن هواجس الأمن القومي ليس عيبا ولا يدعو للحرج في عالم اليوم.. بل كلما كانت الصورة واضحة ساعدت على ترفيع الثقة و تمتين العلاقات..
فما هو الهاجس الأول.. ؟؟
الهاجس الأول لكل هؤلاء الشركاء في مفاوضات سويسرا هو وضع الاسلاميين بعد الحرب، وفق الأسئلة التالية.
ما هو دور الاسلاميين في ترسيم مستقبل السودان السياسي بعد الحرب؟
هل يستعيد النظام الذي سقط بثورة ديسمبر سلطته التي كانت قبل 11 أبريل 2019؟
هل يستثمر الاسلاميون مشاركتهم الفاعلة في العمليات العسكرية والدماء التي سالت في ميادين القتال من أجل تعزيز موقعهم السياسي بعد الحرب؟
ما علاقة الاسلاميين بالجيش؟ حاليا ولاحقا بعد الحرب؟
بالطبع لن يتوقع المجتمع الدولي – شركاء مفاوضات سويسرا تحديدا- أن يتلقوا اجابات مكتوبة أو شفهية من أي طرف رسمي في الدولة السودانية، من أعلى سنام السلطة رئيس مجلس السيادة إلى أدنى مستوى دبلوماسي، فالاجابات التي ينتظرها شركاء المجتمع الدولي لا تحتمل التطمينات مكتوب أو شفهية بل دليلا عمليا يقطع باجابات واضحة.
وبكل صراحة ربما لا ينتظر شركاء المجتمع الدولي اجابة من البرهان أو أي قيادي رسمي في الدولة، هم يريدون اجابة واضحة مِن مَن يهمهم الأمر.. الإسلاميون..
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.. على النحو التالي:
(1) صحيح الاسلاميون قدموا تضحيات وشهداء في المعارك غير منكورة منذ أبريل 2023، وليس من المنطق افتراض أن من يدفع حياته كان ينتظر الثمن سياسيا أو بأية صورة أخرى.
(2) لكن في المقابل، فإن الخطاب العام للاسلاميين يفرط في الربط بين السياقين العسكري والسياسي، بل أحيانا يتبنى صفة مانح العلامة الزرقاء لمن يدعم الجيش، وهو خطاب حصري بدرجة مزعجة.
(3) الطرق المستمر من جانب الاعلام الذي يتبنى وجهة نظر الاسلاميين ضد القوى السياسية الأخرى – مجموعة تقدم نموذجا- و الاجتهاد في تجريمها يمنح الاحساس بالاقصاء السياسي، الذي لا يزال المتهم الأول في كل التقلبات السياسية والأحداث المفجعة في التاريخ السياسي السوداني.
(4) التركيز على الخيار العسكري وتبنى خطاب الكراهية السياسي و محاربة أطروحات الحلول السياسية.
في سياق البحث عن المستقبل السياسي بعد الحرب، ظلت قيادات السلطة السيادية بالسودان تبث رسائل متضاربة، تارة تتحدث عن فترة انتقالية قصيرة تحت اشراف حكومة انتقالية وتسليم السلطة لحكومة منتخبة بعد عامين من نهاية الحرب. وتارة تتحدث عن الامساك بالسلطة لحين الانتخابات. ومن خلف الكواليس تتسرب معلومات عن فترة انتقالية قد تصل إلى عشر سنوات. كل هذا يبعث برسائل للمجتمع الدولي – وهو أخطر ما قد يتصوره أحد – أن الحرب هي التي تقرر مصير السودان، وليس السلام والتقديرات السياسية.
بعبارة أخرى، الذين يراهنون على مستقبل يستبعد الاسلاميين من الحكم كليا يرون أن الوسيلة الأفضل هو استمرار الحرب لحين التيقن من ازالة ما أسماها ياسر عرمان “الكتلة الخشنة” في الحركة الاسلامية. بينما من جانب الاسلاميين -قد – تعني استمرار الحرب لحين افراز واقع يتحتم فيه سيطرة الاسلاميين على المشهد السياسي كليا، بالطريقة ذاتها التي كانت قبل سقوط نظام البشير والتي تسمح لبعض المكونات السياسية المشاركة في السلطة شريطة أن تدور في الفلك المرسوم لها.
من الواضح أن الاسلاميين حتى الأن نجحوا في الحصول على “بطاقة” الصعود على قطار ما بعد الحرب، فرصة يتيحها الشعب السوداني بعد مشاركتهم الفاعلة في المجهود العسكري منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، لكن في المقابل، ليس من دليل أن الشعب استعاد الثقة في الاسلاميين خاصة مع ضمور الدلائل أنهم استفادوا من تجربة السقوط المدوي في 11 أبريل 2019، فالخطاب السياسي للاسلاميين يرفض الاقرار بالسقوط أصلا، ويعتبرها “خيانة داخلية”، بما يمنح الاحساس أنهم لا يزالون في محطة ما قبل 11 أبريل 2019.
الاحتفاظ بكل المسميات القديمة بما فيها اسم “حزب المؤتمر الوطني” بل والاصرار عليه يعني عمليا فشل المراجعات التي يفترض أنها من أهم شروط العبور الى المستقبل. والاصرار على استمرار القيادة القديمة.
نغمة العداء السافرة في الخطاب السياسي للاسلاميين تجاه الخارج عامة وتسمية بعض المحيط الاقليمي خاصة، يرفع حالة المواجهة مع دوائر الأمن القومي النشطة المرتابة من اقترابهم مرة أخرى من الحكم، ولو رمزيا.
و نواصل..