مع اقتراب انتهاء فترة تسوية أوضاع الأجانب في مصر.. ما هو مصير المخالفين ؟
مع تزايد الأزمات التي تواجهها بعض دول المنطقة، تتحول مصر إلى وجهة مفضلة لمن يسعون للهروب من خطر الموت الذي يلاحقهم داخل بلدانهم نتيجة النزاعات والحروب.
في الآونة الأخيرة، ازداد تدفق الهجرة العربية إلى مصر، خصوصًا بعد اندلاع الحرب الأهلية المدمرة في السودان التي أودت بحياة الآلاف وأجبرت الكثيرين على الفرار خوفًا على حياتهم من الهلاك المتزايد نتيجة تصاعد الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
مؤخراً، ومع ازدياد أعداد اللاجئين وانتشارهم في مختلف المحافظات المصرية، ظهرت دعوات متزايدة على منصات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام المحلية تطالب بإبعادهم بدعوى أنهم سبب “تفاقم الوضع المعيشي في البلاد”. وهذا دفع الحكومة المصرية إلى العمل على تقنين أوضاع المقيمين من خلال تدقيق أعدادهم وجمع البيانات حول ما تتحمله الدولة من تكاليف مقابل تقديم الخدمات في مختلف القطاعات.
فوضى في استقبال المهاجرين
تُتيح مصر منذ عام 2017 للأجانب الحصول على إقامة لمدة 5 سنوات عند شراء عقار بقيمة لا تقل عن 400 ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات عند شراء عقار بقيمة تقارب 200 ألف دولار.
وخلال العام الماضي، قامت مصر بتصعيد الإجراءات المتعلقة باللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في البلاد. حيث طالبتهم الحكومة بتصحيح أوضاعهم من خلال دفع غرامة تبلغ حوالي 1000 دولار، كما فرضت شرط وجود مستضيف مصري لضمان استمرار استفادتهم من الخدمات المقدمة لهم في مختلف القطاعات الحكومية، وذلك في فترة تنتهي بحلول 30 يونيو الجاري.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور أيمن زهري، الخبير في شؤون الهجرة، خلال حديثه مع قناة “المشهد” إلى أن إحصاء أعداد المقيمين واللاجئين داخل الدولة يُعَد أمراً طبيعياً من أجل تنظيم وحوكمة ملف الهجرة في مصر. خاصة مع حالة عدم الانضباط التي شهدتها أوضاع الأجانب والمقيمين خلال الإثني عشر عاماً الماضية، حيث اتجهت أعداد كبيرة من مواطني بعض الدول العربية إلى مصر كونها البلد الأكثر استقراراً في منطقة مليئة بالصراعات.
وأكمل: “في تلك الفترة قدمت الحكومة المصرية تسهيلات متعددة لمختلف الجنسيات القادمة إلى القاهرة مراعاة لظروفهم، لكن مع مرور الوقت تغير الوضع وحدثت فوضى في دخول الأجانب، لذلك كان لزاماً على الدولة أن تتحرك بسرعة لضبط عملية الهجرة”.
تقنين أوضاع الأجانب
يعتقد زهري أن تسوية أوضاع المقيمين تعتبر “خطوة تمكن الحكومة من اختيار الأسلوب الأنسب للتعامل مع هذا الملف المعقد بجوانبه المتعددة، بالإضافة إلى الحصول على كافة التفاصيل المتعلقة بكل فرد بشكل منفرد، وهو حق أساسي لأي دولة يستضيفها أي مهاجر”.
وأشار في السياق ذاته إلى أن “هذا الإجراء يضمن الحقوق الكاملة للمقيم ويمنحه الحق في تعديل وضعه كما يريد، سواء من خلال التقدم بطلب لجوء إذا كان يستحق ذلك، أو من خلال التقديم للحصول على الإقامة أو تمديدها، مما يساهم في الحفاظ على حقوق الدولة والأجانب على حد سواء”.
وبحسب الحكومة المصرية، فإن التقديرات تفيد بأن هناك حوالي 9 ملايين مقيم ولاجئ في مصر من نحو 133 دولة، يشكل الذكور بينهم 50.4% والإناث 49.6%، بمتوسط عمر يقارب 35 عاماً، ويمثلون حوالي 8.7% من إجمالي عدد سكان مصر البالغ نحو 106 ملايين نسمة.
لكن زهري لم يوافق على هذه الأرقام، واصفاً إياها بأنها “غير دقيقة”. وأوضح أن أعداد الأجانب في مصر “غير معروفة”، وأن الحكومة اعتمدت في تقديراتها على بيانات منظمة الهجرة غير الشرعية التي صدرت في عام 2022 وبعض الهيئات والمنظمات الدولية غير الحكومية. وقدّر زهري العدد بين 5 و6 ملايين، مشيراً إلى أن الغالبية منهم سودانيون.
مصير المخالفين
وللتعرف على وضع المقيمين الأجانب الذين لم يقوموا بتقديم طلبات لتقنين أوضاعهم، تواصلت منصة “المشهد” مع المتحدث الرسمي باسم الحكومة المصرية، المستشار محمد الحمصاني، ولكنه أفاد بأن هذا الموضوع يختص بوزارة الداخلية، وهي الجهة الوحيدة المختصة بالبت في هذا الشأن.
ولكن الخبير في شؤون الهجرة واللاجئين أيمن زهير استبعد بشكل قاطع أن تتخذ الحكومة المصرية قرارات تحرم المقيمين في البلاد من الاستفادة من الخدمات المقدمة لهم، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية، وذلك بسبب عدم تقنين أوضاعهم خلال الفترة الزمنية التي حددتها الحكومة.
ذكر زهير في تصريح لصحيفة “المشهد” أن المسؤولين في مصر يعتنون بمسألة حقوق الإنسان لجميع المقيمين، بغض النظر عن وضعهم، وأشار إلى أن الدولة مسؤولة عن جميع الأفراد المتواجدين على أراضيها، بصرف النظر عن جنسيتهم.
تنبأ زهير بأن الحكومة ستمدد الموعد النهائي المحدد للأجانب لتسوية أوضاعهم عند انتهاء هذه المهلة في نهاية يونيو الجاري، بهدف منح فرصة إضافية لأولئك الذين لم يقدموا وثائقهم لتصحيح أوضاعهم.
السودانيون.. العبء الأكبر
وفقًا للتقارير الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، فإن السودانيين يمثلون العدد الأكبر من المقيمين في مصر بحوالي 4 ملايين شخص، يليهم السوريون بعدد 1.5 مليون، ثم اليمنيون بحوالي مليون، والليبيون أيضًا مليون.
تمثل هذه الجنسيات 80% من المهاجرين الذين يعيشون حالياً في البلاد. لذلك، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي أبو بكر الديب أن استضافة مصر لملايين اللاجئين يشكل ضغطاً كبيراً على مواردها وبنيتها التحتية، خاصة عندما يتعلق الأمر باللاجئين السودانيين.
ذكر الديب في حديثه مع قناة “المشهد” أن “السودانيين الذين جاءوا إلى مصر لم يقوموا بإنشاء استثمارات خاصة بهم، بل شاركوا المصريين في جميع الخدمات المقدمة لهم، مما أدى إلى زيادة أسعار الوحدات السكنية بالتأجير المؤقت إلى مستويات مرتفعة، حيث أصبح متوسط الإيجار الشهري حوالي 8 آلاف جنيه مصري بعدما كان حوالي ألفين وثلاثة الف جنيه”.
لا إجراءات تعسفية
بخصوص الادعاءات التي وردت في تقارير منظمة العفو الدولية مؤخراً حول ترحيل مصر لعدد من السودانيين إلى بلادهم، نفت السفيرة نائلة جبر، رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر التابعة للحكومة المصرية، وجود أي إجراءات تعسفية ضد السودانيين المقيمين في مصر. وأوضحت أن مصر طلبت من جميع الأجانب، بمن فيهم السودانيون الموجودون على أراضيها، تسوية أوضاعهم القانونية للإقامة في البلاد، كما تفعل أي دولة تحافظ على سيادتها.
أوضحت جبر أن مصر لا تقوم بترحيل سوى الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم أو لم يحترموا القوانين الداخلية للبلاد، مؤكدة على عدم المساس بحقوق اللاجئين داخل مصر، خاصة وأن القاهرة وقعت على الاتفاقية الدولية المتعلقة بأوضاع اللاجئين لعام 1951.