حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : للعبرة والتاريخ..

اليوم يوافق الذكرى ال55 لانقلاب العقيد جعفر نميري ورفاقه الشباب الذين في فجر الأ-د 25 مايو 2024، لم يكلفهم الأمر إلا مشقة الانتقال بالسيارات العسكرية من “خور عمر” بشمال أمدرمان إلى مقر الإذاعة و بث بيان لم يُجهدوا أنفسهم في كتابته إذ كان جاهزا وجدوه في أوراق اجتماع سياسي..

غالبية الذين تحولوا فجأة من ضباط برتب حديثة ـ كانوا في رتبة النقيب قبل أسبوع من الانقلاب ـ إلى أعضاء في مجلس قيادة الثورة كانوا يقررون مصير الأمة السودانية بعقول خاوية إلا من التعليمات و بعض المصطلحات مثل الثورة ـ الرجعية ـ التقدمية ـ العملاء ـ الرأسمالية المرتبطة بالاستعمار و ماشابه ذلك..

طبيعي أن لا ينتج من مثل هذه القيادات سوى نكبات تمسك بعضها برقاب بعض.. بعد ثلاثة أسابيع أطاحوا بقيادات السلطة القضائية، لماذا البداية من هنا؟ لأن الرجل المدني الذي شاركهم تدبير الانقلاب وتولى رئاسة مجلس الوزراء لديه حسابات للتصفية وفواتير للسداد لا تحتمل الانتظار.. فقد كان رئيسا للسلطة القضائية قبل سنوات قليلة و له موجدة تجاه بعض زملائه..

ثم مجزرة في اساتذة جامعة الخرطوم وعلى رأسهم البروفسير عبدالله الطيب الذي ليس له أي اهتمام أو ارتباط سياسي..
ثم كانت الطامة الكبرى الإساءة لكبير الأمة السودانية الزعيم الأزهري بالإهمال عمدا حتى الموت ثم نعيه ببيان رسمي عبر الإذاعة حمل عبارة (اليوم توفي المواطن إسماعيل الأزهري، وكان عمل معلما بالمدارس الثانوية) ..

ثم ذبح عشرات المواطنين الأبرياء في مسجد الامام عبدالرحمن المهدي بحي ودنوباوي..وقتل أكثر من ألف مواطن سوداني في الجزيرة أبا.. و اصدار قرارات كارثية صادر بها عشرات المؤسسات الاقتصادية الناجحة وسلمها لإدارة موظفين أفسدوا فيها لدرجة الانهيار مما لم تزل أثاره حتى اليوم في بنية الاقتصاد السوداني..كل ذلك ولم يبلغ عمر النظام الجديد سنة واحدة..
رغم مرور أكثر من نصف قرن على هذا الانقلاب إلا أن السودان تدحرج الى السفح أكثر، تعاقبت الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بديكتاتورية نميري ونظامه المستبد وجاءت حقبة حزبية لم تدم طويلا فقد كانت تحمل فناءها في بذرة ميلادها.. وسقطت البلاد تحت حوافر عهد ديكتاتوري أكثر جرأة في ارتكاب الجرائم والافساد استغرق التخلص منه ثلاثين سنة كاملة..
ثم أطاحت به ثورة لم تقرأ مطلقا كتب التاريخ لتستفيد من أخطاء ثورتين شعبيتين سابقتين.. فأنشأت نظاما أضعف من سابقيه لم يكن قادرا على البقاء في خشبة المسرح أكثر من سنتين ليسقط في براثن انقلاب عسكري يوم 25 اكتوبر 2021..

لا أحد قادر على قراءة التاريخ السياسي السوداني لتجنب تكرار مواجعه، فكنا نخرج من “دحديرة” لنقع في حفرة.. ونعيد تكرار أخطائنا بدقة وجدارة عجيبة..

اليوم السودان في أسوأ أزماته وأزماته.. حرب ضروس أكلت اليابس والأيبس منه.. ولا تجد رجلا رشيدا قادرا على النظر أبعد قليلا من أرنبة أنفه ..

السودان الوطن الكبير و بكل خيراته الوفيرة لا يجد عقولا قادرة على إدارته بما يعلي و يعظم مصالح شعبه..
وطن مفجوع في أبنائه الذين لا يقرأون التاريخ..

مقالات ذات صلة