حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب :المتاجرون بالسلام..

كما أن هناك متاجرون بالحرب، هناك أيضا متاجرون بالسلام، يمتطون الشعارات الممهورة برفض الحرب او تقريظ السلام لكن بشرط أن يحصلوا على توكيل توزيعها و منح أو منع العلامة التجارية الحاملة لشعار السلام..

الذي يتاجر بالحرب يجتهد في تعظيم مكاسبه منها، ليس ضروريا أن تكون المكاسب محض مادية فبعض المكاسب الأدبية تصنع أيضا امتيازات ومزايا مادية و لو بطريق غير مباشر، ففي النهاية هي تجارة و لو من أجل الصيت.

و هنا يستوي المتاجرون بالحرب مع المتاجرين بالسلام، يختلفان في الاتجاه ويلتقيان في الهدف.. يقتاتون من لحم المواطن، الأول بيده والثاني بالشوكة والسكين.

الحرب الراهنة تتطلب ان يتحول كل مواطن الى بؤرة سلام تنطلق منه الدعوات لايقاف نزيف الدم، فرض عين و دون توقف كل يوم الى أن تخرج بلادنا من نفق الاحتراب.. ليس بترديد الشعارات وحدها بل بالعمل الحقيقي الذي يساهم في تغيير الواقع.. كبح خطاب الكراهية، تعزيز الثقة في قدرتنا على البقاء أمة واحدة، ترفيع الأمل في المستقبل وقبل كل هذا صناعة الاحساس بالمصالح المشتركة.

و بصراحة ، هذه الحرب عندما اندلعت كانت الرايات المرفوعة على أسنة الرماح تخاطب الشعب وتجتهد في كسب الشرعية من رضاء الشعب وقبوله بتلك الشعارات حتى يصبح الدم المسفوح حلالا باسم الشعب ومصالحه العليا..
و من هنا يجب اخماد الحريق، سحب الشرعية من الحرب، اشهار التحريم والتجريم، تحريم الدم المسفوك و تجريم من يسفك الدماء..

انظر إلى اللوحة المعروضة في يوميات الحرب، مقتل 20 في قرية “التكينة”، مقتل 10 في نواحي أبوقوتة، مقتل أكثر من 100 في “الحرقة”، كقتل أكثر من 40 في “أم عضام” مسلسل طويل من الأرقام الدامية ما باتت تجرح خاطر أحد، قتل ال 100 مثل قتل الواحد، مجرد رقم، وهتك الأعراض وتشريد المواطنين من بيوتهم بل ووجبة ضرب بالسياط في الميدان العام ليستمتع الجلادون بانكسار العين وانكفاء الوجه الى الأرض.. كل هذا اصبح مجرد خبر بارد تتناقله وسائط التواصل الاجتماعي دون ان تذرف دمعة واحدة..

الذين يظنون أنهم يحتكرون فضيلة الدعوة الى السلام يظنون أن مجرد النطق او كتابة الشعارات يمنح امتياز الملكية الفكرية للموقف.. في لحظة لا يجد القاتل همسة عتاب او درهم إحساس بأن ما يقترفه جريمة في حق وطنه أولا والانسانية ثانيا..
في قاع الجحيم ترقد كثير من الشعارات التي تشرعن الحرب باسم السلام..

مقالات ذات صلة