حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب : ما هي العلاقة..
الحرب التي تنشب أظافرها في عنق المواطن السوداني تحكمها تقديرات عسكرية يشق على المدنيين فهمها و بالضرورة تفهمها.
والسب لأن حياة و أوضاع المواطن مرتبطة بل ملتحمة بيوميات الحرب، مدا وجزرا.. اذا ظهرت تباشير النصر أحس المواطن بعودة الروح واذا ما غم الجو بغيوم الإحباط الميداني، انتكست حياة المواطن وتفكيره ومزاجه.
من الحكمة أن لا يتدخل المدنيون في التقديرات العسكرية ليس لأنهم يجهلونها فحسب، بل ولأن طبيعتها تحتمل الصعود والهبوط وأحيانا أشبه بصعود الصاروخ رأسا الى الفضاء، أو هبوط المظلي من الطائرة الى الأرض، كلاهما لا يمكن لمن لم يتدرب عليهما أن يحتملهما.. فالمواطن العادي جُبل على “الوضع العادي” أي الحياة المستوية بلا هضاب أو صعاب..
للفصل بين المدني والعسكري لابد من الفصل بين القيادة العسكرية والمدنية، فتدعم كل منهما الأخرى لأنها تحمل عنها ما لا طاقة لها به.. فالقائد العسكري عندما يتفرغ لمهامه العسكرية يحسن أداءها و توفر له الادارة المدنية المدد المادي الذي يسنده و يدعم استمرار قوته على المدى الطويل..
لهذا، كان المفترض من أول يوم في حرب السودان، بل ربما قبله، ان تكون للبلاد قيادة مدنية تنفيذية تتفرغ لشؤون الدولة والإشراف على حياة المواطن التي لا تحتمل حتمياتها التأخير أو التقصير..
لكن حتى الآن والحرب تدخل شهرها الثاني في العام الثاني لا تزال البلاد بلا حكومة تنفيذية، ينفرد القائد العام للجيش بادارتها فيجمع الهم العسكري مع المدني وما كان لرجل في جوفه قلبان..
ظلت الدعوة لتعيين رئيس وزراء ينشغل بالهموم التنفيذية قائمة منذ أن انطلقت الرصاصة الأولى ،وظلت الوعود والمواقيت تضرب بلا ايفاء، و كان آخرها ان تشكيل الحكومة مباشرة بعد استعادة مدني و ولاية الجزيرة.. وليس من حق أحد أن يسأل لماذا تأخرت استعادة مدني فهذا أمر عسكري لا يحق للمدنيين ان يقتربوا منه ، ليس لأنه لا يخصهم بل لأنه أمر متخصص وتكتنفه الاسرار والتفاصيل التي لا يحق تداولها خارج أسوار المؤسسة العسكرية.
لكن بالضرورة من حق أي مواطن أن يسأل و ماهو الرابط بين تشكيل الحكومة واستعادة مدني؟
لن تكون هناك إجابة مقنعة إلا التسويف و مط الأعذار لتأجيل تشكيل الحكومة فتظل القيادة العسكرية تجمع في يدها القيادة التنفيذية أيضا ، وهو عين ما أسلفنا في بيان خطله وخطره.
ويقيني أنه لو استعيدت مدني – وهذا حتما سيحدث- اليوم فإن أعذارا أخرى سترحل موعد تشكيل الحكومة إلى أجل غير مسمى..
قد تكون تقديرات رئيس مجلس السيادة أن تشكيل الحكومة وعلى رأسها رئيس وزراء يحمل هواجس ازدواجية القرار بين رأسين سيادي وتنفيذي، لكن ذلك غير صحيح فخطوط التفويض والمهام واضحة كالشمس، مطلوب من رئيس الوزراء وحكومته إدارة حياة المواطن بأيسر ما تكون، دون تدخل في تفاصيل العمل العسكري.