وجه الحقيقة.. إبراهيم شقلاوي يكتب : تحوطات السودان في حال انهيار سد النهضة

ينشط هذه الأيام حديث عن انهيار محتمل لسد النهضة وان 70٪ من مساحة السودان مهددة بفيضان كارثي.. هذا الادعاء الذي يتعمد جعل السودان بلد غير أمن وغير مستقر يحاول الاعتماد علي الخرافة والعلم معآ وهذا بلا شك انطلاقا من دارسة إجتماعية لطبيعة المجتمع السوداني الذي يؤمن بالخرافة الشعبية حد المبالغة.. الي جانب مخاطبة النخب المتعلمة بالمنطق العلمي غير المتخصص .. لذلك الذين يروجون مثل هذه الإدعاءات اعتمدوا علي نبوءة الشيخ فرح ود تكتوك قبل 100 عام.. التي قال فيها : (ان الخرطوم تعمر حتي مدينة سوبا جنوب العاصمة الخرطوم ثم تجيها حرقة وغرقة) اما وقد وقعت الحرب وحدث الحريق.. الناس الان ينتظرون الغرق.. في إشارة الي تأكيد 50٪ من حديث الرجل الصالح حتي الان .. هذا غير ماتقول به العرافة اللبنانية (ليلي عبد اللطيف) عن ذات الخصوص من أن هناك بلد عربي موعود بكوارث .. وتصديق الناس لذلك دون وعي.. الشاهد ان الامر ليس كما يبدو فهناك جهات متخصصة تحدد أهداف وتمضي نحوها باستغلال طبيعة التفكير وطبيعة تشكيل الوعي والقناعات لدي مجتمعاتنا.

كذلك انتشر خبر منسوب لصحيفة «نيويورك تايمز» عن خطر حقيقي يهدد 150 مليون مواطن في مصر وإثيوبيا نتيجة خلل فني في سد النهضة الإثيوبي، قد يؤدي إلى انهياره، وتدفق فيضانات مياه إلى دولتي المصب، ربما تتسبب في تدمير السدود وغرق بعض المدن، سواء في مصر أو السودان.. دون الحديث في متن الخبر عن طبيعة هذا الخلل الفنى الذي يهدد بالانهيار لذلك يظل هذا كلام يجافي منطق العلم بدون تحديد الخلل.. كما انتشر فيديو في الوسائط الاجتماعية هذه الأيام عن انهيار سد في العاصمة الكينية نيروبي.. برجوعنا لاحد المهندسين المختصين أفاد ان الفيديو لا علاقة له بنيروبي.. وانه متواجد هذه الأيام في نيروبي وليس هناك اي انهيار لسد.. حيث رجح ان يكون المقطع المصور تابع لسد بمقاطعة قواندونج بجنوب الصين.. مؤكدا ان الفيديو غير صحيح.. مشيرا الي ان كلمة انفجار نفسها مريبة لان السدود تنهار ولا تنفجر..كما قال يوجد في كينيا حوالي 11 سد مائي كبير وكلها في حالة سليمة.. وان سد النهضة فى التصميم تم ادراج factor of safety حد الأمان بالنسبة للزلازل وهذا وضع طبيعى لذلك لاداعي للتخوف.

عليه فإن الحديث عن انهيار محتمل لسد النهضة كما يري خبراء فيه قدر من التضخيم والمبالغة بالنظر الي الدراسات وطبيعة التنفيذ والشركات المنفذة.. وبعد السد نسبيا من المناطق الزلزالية.. بالرغم من ذلك ليس هناك ثقة مطلقة مع الكوارث الطبيعية عندما نتحدث عن المنشآت المائية وإنهيارها بفعل الطبيعة المتمثلة في زلازل ، أعاصير ، إنهيارات أرضية ، تغير مناخي.. كما أنه ليس هناك ثقة تامة في معاملات أمان السد، لأن متغيرات الطبيعة غير مضمونة.. بالنظر الي التغيرات المناخية التي اعلنت عنها الأمم المتحدة في مؤتمرها للتغير المناخية في العام 2022 المعروف أيضًا باسم COP27 الذي عقد في الفترة من 6 حتى 18 نوفمبر 2022 في مدينة شرم الشيخ المصريَّة.. لذلك فاتغيرات كبيرة على المستوى المحلى والمستوى الإقليمي مثال ذلك علي مستوي السودان مؤخرا نجد ولاية نهر النيل و الولاية الشمالية لم تكن تتأثران من قبل بالأمطار الغزيرة حتى وقت قريب.. بالرغم من ان هنالك سيول عبر سهول البطانة flash flood لكن امطار بهذا المستوى وفى شهر سبتمبر هذا يعتبر متغير مناخي مهم يحتاج إلى دراسات متكاملة تشمل حتى مواقيت الزراعة بأنواعها المختلفة..

هذا كله يجعل جهات الاختصاص في بلادنا حريصة علي دراسة احتمالية الفوائد والإضرار من سد النهضة للتعامل مع كافة السيناريوهات المحتملة في جميع الأحوال في حال وصول دولة إثيوبيا الي تخزين 74 مليار م. م. مع نهاية التخزين.. ربما تنشط المنطقة وتزيد فيها احتمالات الزلزال جراء الضغط الهائل للمياه علي التربة وعلي جسم السد وهذا ربما يودي الي الهزات الأرضية.. مع العلم ان السودان يقع في كتلة قارية بعيدا عن الفواصل ولا يتأثر الا بهزات خفيفة تكون اتيه من بعيد .. بينما المناطق التي تنشط فيها الزلازل تقع في مناطق صفائح متحركة ومعرضه للحركات الزلزالية..لذلك بالحديث عن احتمالية انهيار سد النهضة لابد أن نعرف كيفية الانهيار ثم معرفة أثر إنهيار السد.

فكما نعلم ان انهيار السد الركامي يختلف عن انهيار السد االخرصاني وهذا حسب خبراء.. لذلك لابد أن تتم محاكاة مستفيضة وفقا لنموذج هيدروليكي لأجل توفير الدقة اللازمة التي تمكن من التعامل مع الحدث .. وهذا كما معلن قد تمت دراسته و التوافق عليه في مرحلة من مراحل الدراسات التي يجريها الباحثين و الخبر السودانيين ..وقدمت دراسات في ذلك حيث وضحت الدراسات كيف يتم الانهيار وهل هو فى السد الخرصانى ام فى سد السرج ام كلاهما و اى جزء سينهار ومقدار الانهيار هل هو انهيار جزئى او كامل. واعتبرت الدراسة انه انهيار كلى ولحظى وللسدين معا بكامل عرضهما وعمقهما.. والعكس.. علما بأن السدين يفصلهم جبل به فتحات المفيض الثمانية بابوابها ويرتكزان على جبلين فى طرفيهما.. حيث يبلغ ارتفاع السد الخرصانى 150 متر و ارتفاع سد السرج الركامى 50 متر وله واجهة خرصانية بعرض 5 كيلو متر وعمق 50 متر تحتها حاجز مانع للتسرب بعمق 40 متر.. فى اغلب اجزائه.

لذلك لابد لأى دراسة لانهيار سد ان توضح اولا كيف ينهار مع كل المواصفات أعلاه مضافا إليها ان بالسدين حوالى 2000 من أجهزة الانذار المبكر الإلكترونية.. تمكن من التنبأت القبلية لذلك أي بحث او حديث لا يحدد كيفية الانهيار لا يعتبر ذا قيمة علمية.. اذ يفترض ان السد الخرساني او السد الركامي ينهار مثل السد الترابي. وهذا خطأً كبير جدا.. بالرغم من ذلك يري عدد من الخبراء أهمية ان تجري تحوطات بأعمال مدنية كمفايض.. مثال ذلك التركيز على إكمال مفيضي الرهد وكنانة.. الي جانب التحوطات التشغيلية في حال الموارد الضخمة التي لاتأتي في الظروف الطبيعية.. الي جانب فتح مسارات نحو سهول البطانة وابو دليق التي تقدر باكثر من 10 مليون فدان متاحة للزراعة.

هذا يجعل من سهل البطانة أكبر مشروع استيعابي لأي تدفقات مياه اعلي من المعدلات الطبيعية الي جانب انه مشروع زراعي رعوي للأمن الغذائي للدول الثلاث لتحقيق الأمن القومي مائياً وغذائياً.. بالإضافة لذلك ترعتي الرهد وكنانة التي يجب أن يشرع في تنفيذهما مع تعديل موقعهما حسب التغيرات التي تمت بعد تعلية الرصيرص.. كل ذلك من المؤكد يحتاج لارادة سياسية وقدرة تنفيذية عالية.. مع التركيز على المشاريع المشتركة بين الدول الثلاثة لتعزيز التكامل الاقتصادي وتامين الغذاء والطاقة.. عليه أصبح لزاما علي وزارة الموارد المائية القيام بدراسات عاجلة.. لكل المخاطر المتوقعة والخروج من بعد ذلك بتوصيات واضحة تمكن من التعامل مع كل هذه السيناريوهات.. وذلك ربما يكون بداية لإعادة الأراضي المشاطئة للنيل لأغراضها الزراعية وتقليل الكثافات السكانية في عدد من المناطق الخطر بعمل تنمية في مناطق جديدة.

لذلك من المهم أن تكون هناك رؤية واضحة وجاهزة للتعامل مع كافة التطورات المحتملة.. قصدنا من كل ذلك الإجابة علي سؤال المهم حول ماهي التحوطات الممكنة للخبراء في السودان.. ما الذي يستطلعونه لتجنيب البلاد آثار كارثية لانهيار محتمل في سد النهضة الإثيوبي وان كانت فرصة ذلك 1٪ علية لابد من الإسراع في إجراء الدراسات اللازمة قبل انتهاء هذا العام حتي يوافق ذلك الملء الخامس الرابع الذي اكتمل في سبتمبر الماضي وربما نحن مقبلون علي ملء خامس محتمل خلال هذا العام في المجمل يجب أن يعمل الخبراء في السودان تحوطات جادة وعملية في حال انهيار سد النهضة.
بالله التوفيق..
دمتم بخير وعافية.
Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة