أسعار السلع تقفز 300% في السودان وسط هلع من نفاد المخزون
تشهد أسواق السودان تغيراً سريعاً في أسعار مختلف السلع وسط قفزات حادة خلال الأيام الثلاثة الماضية وصلت إلى ثلاثة أضعاف مستوياتها قبل هذه الفترة، الأمر الذي أرجعه تجار إلى شح المعروض في ظل نفاد المخزون وتقلص الاستيراد بسبب انفلات سعر صرف الدولار في السوق الموازية، بينما يعاني المواطنون انهياراً معيشياً وسط استمرار الحرب التي دخلت عامها الثاني ولا يلوح في الأفق نهاية قريبة لها.
يؤكد مواطنون تحدثوا مع “العربي الجديد” أن أسعار السلع الغذائية بمختلف أنواعها اشتعلت من دون سابق إنذار، مشيرين إلى أن ذلك يفاقم الأعباء المعيشية، ولا سيما وسط انعدام مصادر الدخل لملايين الأشخاص. وزادت أسعار السلع الأساسية منها السكر والدقيق (الطحين) والشاي واللبن بنسبة تجاوزت 300% في العديد من الولايات بينما اختفت تماماً في ولايات أخرى، خاصة الخرطوم.
ووصل كيلو العدس في بعض المناطق، منها ولايتا سنار والنيل الأزرق إلى 2400 جنيه (1.8 دولار وفق سعر الصرف في البنوك) بدلاًعن 1600 جنيه، بينما سجل 3000 جنيه في ولاية الخرطوم التي سجلت أيضاً 3500 جنيه (2.7 دولار) لسعر كيلو السكر.
وقال مواطنون لـ”العربي الجديد” إن سوء الأوضاع أصبح أكثر وضوحاً من ذي قبل، وسط توقف كامل للحركة التجارية الداخلية والخارجية ما يضع البلاد على شفا هاوية كبيرة سيمتد أثرها إلى كل دول الجوار.
ويشدد عبد الحافظ إبراهيم موظف سابق في وزارة المالية على ضرورة إيقاف الحرب قبل أن تصبح البلاد مدخلاً لنشاط وتجارة غير مشروعة خاصة أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة تنبئ بأن غالبية المواطنيين أصبحوا مهيئين لأعمال وأنشطة غير قانونية، ولا سيما بعد مرور عام بلا عمل وتدهور في الأوضاع المعيشية وتوقف كامل لجميع الأنشطة اقتصادية، والذي خلق فراغاً كبيراً لغالبية الأسر.
أما المواطن متوكل جبارة، فيقول لـ”العربي الجديد” إن “الأزمة الراهنة خاصة الاقتصادية في السودان ستنتقل إلى دول الجوار بالطبع وهذا ما نشهده الآن في بعضها في ظل استمرار الهرب من جحيم الحرب”.
وقبل القفزات الأخيرة في الأسعار، كان معظم سكان الكثير من المناطق ولا سيما ولاية الخرطوم يعتمدون على عدد من المبادرات الطوعية تحت مسمى “فكة ريق” في توفير وجبات غذائية للأسر، وتوفير الطعام والشراب بعد انقطاع كل السبل في التواصل مع أهاليهم أو الخروج من مناطق الحرب.
وفي الاثناء طالب الأمين السابق للغرفة التجارية الصادق جلال الدين صالح، رجال الأعمال الوطنيين بالتوقف نهائياً وفوراً عن طلب العملة الصعبة مهما كانت الظروف والأسباب.
ودعا صالح الى عدم انسياقهم وراء المضاربات والطلب الوهمي الذي ساهم في تدهور قيمة الجنيه السوداني بصورة “تفوق الخيال”. لكن محافظ بنك السودان برعي الصديق، قال في تصريحات صحافية أخيراً إن البنك يمتلك احتياطات جيدة من النقد، لكن الحـرب المستمرة تُصعب توقع أداء الاقتصاد الكلي ومؤشراته في ما يخص سعر الصرف والتضخم بما يحقق أهداف السياسة النقدية.
وأشار إلى أن السودان لم يتلق دعماً خارجياً مع توقف شبه كامل للصادرات، بينما هناك زيادة في الطلب على النقد الأجنبي من السوق الموازية لمقابلة استيراد المواد البترولية بعد توقف الخط الناقل للبترول علاوة على تراجع الإنتاج المحلي بسبب الحرب.
وسقط السودان في أتون الفوضى عقب تصاعد التوتر بين الجيش وقوات الدعم السريع وتحوله إلى اشتباكات في الشوارع في العاصمة الخرطوم في منتصف إبريل/ نيسان من العام الماضي 2023. وسرعان ما امتد القتال إلى جميع مدن البلاد وبلداتها. وسبّبت الحرب المحتدمة في نزوح أكثر من 8.5 ملايين شخص من منازلهم، واضطرار عائلات إلى النزوح عدة مرات، بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التي تعاني مشكلات اقتصادية وأمنية خاصة بها، في ظل انهيار شبكات إنتاج الغذاء وتوزيعه وانعدام الأمن.
وأعادت الحرب السودان عشرات السنوات إلى الوراء، وفق محللين. وأضرت المعارك بالنشاط الاقتصادي، لينكمش الاقتصاد بنسبة 12% في 2023، وفق تقديرات البنك الدولي، بينما يؤكد خبراء اقتصاد تحدثوا مع “العربي الجديد”، أن النسبة واقعياً تصل إلى 20% في ظل الأضرار الواسعة التي لحقت بمختلف الأنشطة الاقتصادية. ومن المتوقع أن يكون معدل الانكماش أكثر من مثلي ما حدث خلال الحروب في اليمن وسوريا.
وتعرضت البنية التحتية لأضرار بالغة، وانهارت خطوط الإمدادات، وأصيب النظام المصرفي الرسمي بالشلل، ما أدى إلى عدم دفع العديد من الرواتب. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقرب من نصف السكان بلا عمل. وذكر برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، في تقرير له في مارس/آذار الماضى، أنه منذ فبراير/ شباط 2023، لم يتم الإبلاغ عن معدلات التضخم، ومع ذلك من المتوقع أن تظل أسعار السلع والخدمات أعلى من 500%.
وأشار إلى أن قيمة الجنيه السوداني في الأسواق الموازية، خلال فبراير/ شباط 2024، شهدت انخفاضاً بنسبة 6.58% مقارنة بالشهر السابق له، بينما بلغ انخفاضها السنوي 107%. وقال إن انخفاض إنتاج المحاصيل هذا العام وارتفاع أسعار السلع والخدمات، يُشكل خطراً كبيراً بشأن انعدام الأمن الغذائي لملايين الأشخاص في جميع أنحاء السودان. وتشير البيانات إلى انخفاض محاصيل القمح بنسبة 46% عن العام الماضي.
العربي الجديد