حديث المدينة .. عثمان ميرغني يكتب :ميثاق السودان ..

ذهبت ظهر اول أمس إلى موقع تدشين “ميثاق السودان” بالقاهرة الجديدة حيث تتجلى روعة مصر في صناعة المستقبل بالفكرة والتخطيط ثم العزم وإرادة النجاح…

وددت لو أن الساسة ( هم بالطبع حكام البلاد في الحاضر والمستقبل) لو أعطوا أنفسهم قسطا من الخيال المنتج، أن يزوروا معالم “القاهرة الجديدة” ، حيث اجتمعوا، يتفرجوا على المدن الجديدة و يستمعوا لشرح من خبير عمراني يروي قصة هذا الإنجاز الحضاري المبهر.. ثم يختموا الجولة بزيارة “العاصمة الادارية” التي وضعت مصر في القرن الثاني والعشرين.

هذه المقدمة مهمة للغاية طالما أن هدف اجتماع الأمس هو السودان.. وطننا الذي يغرق الآن في مسلسل الصراع على الكرسي.. وليس عيبا أن يتنافس ، لا يتصارع، الساسة على الكرسي من أجل نيل شرف خدمة وطنهم وشعبهم، لكن العار أن يتحول التنافس إلى صراع على الكرسي من أجل الكرسي، و لو على جثة الوطن..

الفعالية التي شهدها فندق “رويال مكسيم كمبينسكي” الواقع في “مدينتي” إحدى المدن الجديدة ب”القاهرة الجديدة”، خصصت للتوقيع على “ميثاق السودان” وهو اسم اختير على عجل للوثيقة التي عبر فيها الموقعون عليها عن رؤيتهم للأزمة السودانية و حلها ثم مستقبل الفترة الانتقالية.

السيد جعفر الميرغني رئيس “الكتلة الديمقراطية ” قال في كلمته أنهم كانوا يتمنون لو أضيف لعنوان الوثيقة ؛كلمة “الديموقراطية” التي ظل حزبه ملتصقا بها طوال عمره السياسي منذ تأسس..

المكونات السياسية التي شاركت في التوقيع، هي تحالفات بعضها معروف و بعضها ربما لم يسمع به كثير من السودانيين ، وليس في ذلك عيب، و شارك في التوقيع مكونات مجتمعية أشهرها المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الذي يرأسه الناظرمحمد الأمين تِرك.

بحسابات الجماهير و الحظوة القاعدية هذه المكونات السياسية والمجتمعية التي اجتمعت أمس بالقاهرة أثقل كثيرا من مكونات “تقدم” التي تقف على الضفة الأخرى .

وهذا لا يقدح في أي تحالف سياسي أو مجتمعي الا بقياس قابلية النظر الى مصالح ومستقبل الوطن السودان لا مصالح الساسة والأحزاب في كلتا الضفتين.

بنود ” ميثاق السودان” في العموم ليس بها جديد أو حتى ما يمكن الاختلاف حوله مع أي مجموعة سياسية أخرى، ويمكن لأي سياسي أن يوقع عليه وهو مغمض العينين، ما عدا الجزء الخاص الذي يفصل في هياكل السلطة .. فعندما تظهر الكراسي، تبدأ المآسي.. نزوات البحث عن قسمة السلطة والثروة..

و مع ذلك في تقديري أن هذا أفضل جزء في الوثيقة ، فبناء الوطن يبدأ ببناء هياكل الدولة..

بالطبع هناك تناقض واضح في تكوين هذه الوثيقة من حيث أن بعض أجزائها غرقت في تفاصيل ما هو بالضرورة من صميم مهام الهياكل التي تحدثت عنها، فلا لزوم مثلا للقطع بأي قرار أو صيغة طالما أن هناك مؤسسة ستنشأ في هياكل الدولة لتكون مسؤولة عن هذا الأمر..

مثلا ، لا مجال للقطع في النظام الإداري للدولة طالما ان هناك برلمان به 300 نائب سيتشكل وفق هذه الوثيقة..و لا مجال للحديث عن مؤتمر دستوري أيضا طالما ان هناك مشرعون لصناعة القوانين ومن بينها الدستور..

مع ذلك فإن فكرة التعويل علي توافق حول هياكل السلطة أمر مهم و حيوي لطالما ظللت أدعو إليه منذ سنوات لملء الفراغ المؤسسي الخطير في الدولة..

رغم ان فكرة التوقيع على “ميثاق السودان” تبدو ذكية في هذا التوقيت لصناعة قوة دفع Momentum تضخ في الملعب السياسي طاقة بناء الحلول للوضع الراهن ، إلا ان فشل الموقعين في هيكلة هذه التجمع الجديد يعيد الى الاذهان صور الخلافات والانقسامات التي تحبط المشروعات السياسية في زخم الصراع على قيادة التحالف الجديد. وقد ظهر ذلك في الفيديوالذي بثه سيد علي أبو آمنة الأمين العام للمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، والذي جاء مع الوفد الرسمي لكنه هاجم الفعالية واعتبرها محض خدعة “كيزانية” على حد وصفه لتكريس الوضع الراهن واستمرار الحرب. السياق يكشف ان هذا الموقف ظرفي مرتبط بخلافات المواقع السياسية.
على كل حال ستكشف الأيام القليلة المقبلة هل (تحت القبة فكي)..

مقالات ذات صلة