حملة نَوْعيَّة جديدة نحو مجتمع آمن، وخلق وعي سياسي بالحقوق والواجبات والثوابت الوطنية .. بقلم عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو
*1/* أصبحت الميديا الإلكترونية وما يُعرف بمواقع التواصل الاجتماعي الظاهرة الإعلامية الأبرز في عالمنا اليوم، كونها تستقطب شريحة كبيرة من فئات المجتمع السوداني، وخاصة الشباب باعتبارهم الأكثر تأثيراً في أي قطاع أو مجتمع بما يمثلونه من طاقة وقابلية للتغيير والتطوير،
وعلى نقيض ذلك أصبح من السهولة بمكان تحويلهم إلى أدوات للتحريض والتدمير،، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن القضايا السياسية والمطلبية، والتناحر والكيد الحزبي، مما قاد شريحة كبيرة من الناشطين الشباب، إلى الوقوع في عدد من الإشكاليات التي يمثل بعضها مخالفات قد يتعرض صاحبها للمساءلة القانونية والأخلاقية،
إذا ما مورست في الإعلام الجماهيري الرسمي أو التقليدي، مثل التدوينات التي تحتوي على أبعاد عنصرية وطائفية وجهوية، أو تلك التي تستخدم لغة تخالف الأعراف والقيَّم الأخلاقية وعادات المجتمع السوداني، ويصل بعضها إلى السب والقذف والبذاءة والتشهير والتشفي، والقيام بحملات منظمة للهجوم على بعض الشخصيات والرموز والقدوات وإغتيالهم معنوياً وتشويه صورهم،
أو القيام بالترويج للأخبار والتحليلات والتكهنات المغلوطة، وبث الشائعات الهدامة التي من شأنها الإضرار بمصالح الوطن والمواطن، أو تنفيذ الحملات المنظمة لمهاجمة بعض القرارات السياسية والإدارية، وكل هذه الأفعال تصنف على أنها تصب في غير مصلحة الوطن،
وتعمل على ما يمكن تسميته بـ (التجهيل السياسي) من خلال إعلاء لغة العاطفة في المخاطبات وإثارة الحساسيات العرقية والمناطقية على حساب لغة المنطق والعقل، ويقود ذلك إلى علو كعب خطاب الكراهية الذي يتسبب في الكثير من الشروخ الاجتماعية لفترة طويلة من الزمان ويصعب علاجها، مما يؤثر على اللُحمة الوطنية وإضعاف تماسك الجبهة الداخلية.
*2/* لكن السؤال المطروح في هذا السياق: إذا كان بإمكان مواقع التواصل الاجتماعي القيام بتلك التأثيرات السلبية، فلماذا لا يتم استثمار هذه القنوات ذات الانتشار الواسع والتأثير الكبير بين كافة فئات المجتمع، لتنظيم حملات إعلامية هادفة، يتولاها مختصون في الإعلام وعلم النفس والإجتماع والتاريخ والأمن والعسكرية، يعملون معاً لدراسة آليات تنفيذها بالتعاون مع المؤسسات الشريكة ذات الصلة، كل في اختصاصه وامكانياته،
ويتاح المجال لنقاش الخطة وتقييمها ووضع ملاحظات الخبراء عليها والتحضير لإطلاق هذا النوع من الحملات لتعمل على ترميم العلاقات الاجتماعية وإعادة القيَّم الأخلاقية المفقودة كالنخوة والمرؤة، وبعث إيجابيات الشخصية السودانية التي تآكلت بفعل تأثير التدوينات السلبية في مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم جرعة ثقافية اجتماعية سياسية بأسلوب غير مباشر، وتقوم باستقطاب واستيعاب القدرات الشبابية الكبيرة، حيث أن كثيراً من طاقات الشباب يمكن توظيفها في هذا النوع من الحملات،
لأن كثيراً من مفردات العمل السياسي الحقيقي ربما غائبة عن أذهان الشباب، ويكون دور شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة النافذة أو القناة التي يتم من خلالها التوجيه السياسي والإجتماعي للحملات، حيث تعد هذه الشبكات إحدى وسائل تشكيل الوعي السياسي في الوقت الراهن، وبشأن هذه الحملة الوطنية وتأثيرها يجب التفكير خارج الصندوق، كما يفعل خبراء الكمبيوتر عندما يعملون على استعادة النظام إلى نقطة استعادة النظام، فيساعد ذلك على استعادة ملفات نظام الكمبيوتر إلى نقطة زمنية سابقة، وهذه تعتبر طريقة للتراجع عن تغييرات وتشوهات النظام في الكمبيوتر دون التأثير على الملفات، والتي تمثل في الحملة شريحة الشباب.
*3/* لم يعد الوعي السياسي ترفاً بل بات ضرورة وطنية، سيما بين صفوف الشباب والشابات، وطلاب الجامعات والمدارس، بهدف تعزيز اللحمة الوطنية ومواجهة كافة التحديات وتحصين الجيل الجديد من الأفكار المسمومة التي تبثها بعض الجماعات والتكتلات والأجسام السياسية الإنتهازية، وعملاء المحاور والسفارات وأجهزة المخابرات الأجنبية، والواجهات الحزبية التي تجعل مسألة تقوية نفوذها فوق مصلحة الوطن، وهنا لا بد لهذه الحملات التصحيحية من التأكيد أولاً على أهمية الوعي السياسي والوطني في أي مجتمع، حيث يعتبر ذلك من أهم أدوات تشكيل الرأي العام، وحيث، لا يوجد وعى حقيقى دون السعي الدؤوب للتحصين بالعلم والتعلم والإخلاص للوطن، والتحلى بالصدق والأمانة ومراعاة القيم والكرامة، والبعد عن العنف والتخريب، وإعلاء المصلحة العامة على الخاصة، والمشاركة في البناء والتعمير، وتحمل المسئولية والشراكة الاجتماعية والوطنية، فحال تحلى الأمم والشعوب بهذه الصفات، كان التقدم حليفاً والوفاق مؤكدا.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو