حديث المدينة عثمان ميرغني يكتب : دين للرجال.. وآخر للنساء..

في ورشة عمل عقدها حزب الأمة القومي بالقاهرة، افتتح المحفل بالقرآن الكريم كعادة الفعاليات، وبدلا من أن تقديم شيخ مقريء ذي صوت جميل فوجيء الحضور أن رئيس الجلسة قدم الدكتورة مريم الصادق المهدي لتلاوة آيات القرآن الكريم..

المسألة تبدو خارج (السياق المعروف)، ويبدو أن كثير من الحضور غضوا الطرف عن المسألة خلال مداخلاتهم باعتبارها “شطحة” لا تفوت على ذهن القاريء كما نقول نحن في الصحف للاشارة إلى الأخطاء التي لا تستوجب البحث في أسبابها.
ولكني – بصراحة- اعتبرتها سنة حميدة لكسر “المُسّلَمَات” التي تنمط الدين وتجعله كما لو كنا بديباجتين، مكتوب عليهما F و M أي ذكر و أنثى.. دين بنسختين رجالية ونسائية.

والحقيقة الاسلام دين لا يجعل المرأة كائنا استثنائيا محاطا بالشروط والقيود التي تجعله دائما (خارج سياق) الحياة العادية، ولا يظهر الا محفوفا بطقوس تحذيرية.

في الركن الخامس للاسلام، الحج، والذي يعتمد على أنموذج قياسي للحياة المجتمعية لم يفرق بين المرأة والرجل في الشعائر والحركة الزمانية والمكانية، الا بما ينسجم مع مطلوبات ترتبط بالسمات البيلوجية، بذات الفهم الذي يجعل هناك علامتان في أبواب دورات المياه العامة تحدد من يدخل من أي باب.

و (تنميط الدين) بكل أسف ليس سلوكا أو توصيفا جادت به العادات والتقاليد الاجتماعية وحدها، بل هو فهم و ترتيب ناتج من المنهج الذي يدرس به الدين في مدارس التعليم العام بل وفي الجامعات أيضا.

طريقة التعليم في (حصة الدين) بها كثير من (التنميط) الذي يجعل الدين، شعائره وممارسته وحتى مفهومه النفسي، أمرا استثنائيا خارج السياق، حَرَم له حدود وأسوار تفصله عن الحياة العادية.

و ربما رسخ ذلك أكثر تقسيم “كتاب الدين” في المدرسة إلى “العبادات” و “المعاملات”، وهو تقسيم مخل يجعل المسافة الفاصلة بين العبادات والمعاملات هي الصحراء النفسية الموجعة التي يكابدها المسلم في حياته اليومية.
احساس المسلم أن كثرة الصلاة وفي المسجد شأن لا يرتبط كثيرا بالسلوك في المحل التجاري – مثلا- فيمكن الغش والتلاعب بتاريخ صلاحية المنتجات أو حتى التلاعب بالعلامات التجارية وغيرها كلها لا تخدش للدين قضية.

رغم أن الاسلام لم يجعل شعائر الدين المرتبطة بطقوس مقدسة إلا تدريبا على السلوك القويم في الحياة، لا يفصل بينهما فاصل، فالصلاة في البيت او المسجد والصيام في رمضان أو غيره، والحج والعمرة و بقية الشعائر ليست عملا قائما بذاته منفصلا عن السلوك الطبيعي في تفاصيل الحياة.

أشبه بتمارين فريق كرة القدم، فهي جزء متقدم من سلوكه الموجه للفوز بالمباريات و التدرج وصولا لبطولة الدوري أو المسابقات القارية والدولية. هنا لا يمكن فصل التمارين من المباريات الرسمية كونها عملا مختلفا في المظهر و متفقا في الجوهر.

المحك في نضج فكرة الدين في ذهن الإنسان أن يتحول تدريجيا من مرحلة “الوعي” هي للعبور إلى الـ”لا وعي”.

والفرق بين سلوم “الوعي” و الـ”لا وعي” هو أشبه بقيادة السيارة، في الأيام الاولى عند التدريب عليها يحتاج الإنسان التفكير والانتباه بعقله لكل فعل بيديه أو قدميه، ولكن بعد التدريب والاعتياد والممارسة تتحول قيادة السيارة الى مركز الـ”لا وعي”، فيستطيع السائق أن يضغط على الفرامل بقوة عندما يقفز شخص أمامه في الطريق دون الحاجة للتفكير و “الوعي” فهو فعل “غريزي”.

الموضوع يحتاج لشرح أكثر لا تسمح به مساحة العمود المحدودة.

مقالات ذات صلة